يستغرب المرء السبب الذي يجعل الناس مُتعطّشة لمعرفة أخبار دنيا باطما ويومياتها وعلاقتها الخاصّة التي يبدو أنّها لا تعني أحد. ففي وقتٍ كانت فيه قيمة الفنّان تُقاس بحجم أغانيه وألبوماته وقدرته على البحث عن صوتٍ جديد يتماهى مع أشكال موسيقية غير مألوفة في الأغنية المغربية، أصبح الفنّان اليوم يُقاس بحجم فضائحه وعلاقاته، وذلك من خلال ما يُثيره من نقاش ونميمة داخل الوسط الفنّي. ماذا فعلت دنيا باطما اليوم لتُصبح حديث الرأي العام؟ ماذا قدّمت دنيا باطما إلى الغناء المغربي؟ على أيّ أساس فنّي يعتبر البعض دنيا بطمة « فنّانة » وصاحبة مشروع غنائي؟
أعتقد أنّ الإجابة على مثل هذه الأسئلة تفترض أوّلاً الفصل بين علاقتها بالفنّ وبين حياتها الخاصّة. لم تستطع الثقافة المغربية أنْ تفصل بين العمل الفنّي والشخص، فحينما يُريد شخصٌ ما تقييم تجربة فنّية فدائماً ما يعمد إلى الشخص ويعتبره أصل العمل الفنّي. في حين أنّ تقييم تجربة فنّية تبدأ من اللحظة التي تترك فيها أغنية ما أثراً بالغاً في جسد المستمع، عبر تقديم أشياء جديدة، لم يسبق للمُستمع أنْ خبر أثرها على جسده. فما فعلته باطما طيلة مسيرتها الفنية لا يخرج عن أغاني الترفيه والاستهلاك التي تبقى في عمقها أغاني فارغة من الجمال، وذلك لأنّها بدون أيّ محتوى هادف، بل بدون أيّ تجديدٍ موسيقي يُذكر.
تعتلي دنيا باطما اليوم عرش حديث الرأي العام وهي من خلق قضبان السجن. وكأنّ ما ينقص المجتمع الآن هو معرفة أخبارها وأغانيها ومعاركها الشخصية التي لا تعني أحد، في وقتٍ يعرف فيه البلد تحوّلات هامّة على المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية. هل يعني أنّ المجتمع اليوم أصيب بحمى السوشل ميديا وأصبح مثل الأعمى الهائم في لياليه؟ أم أنّ الأمر له علاقة بسيطرة التفاهة المُقنّنة في الزمن المعاصر بشكلٍ عام وذلك بطريقة أصبح فيها المجتمع يقتات على الفتات لا أكثر؟ حديث الناس عن دنيا باطما يدخل ضمن تباطح ثقافي أصبح يطبع حياة المغاربة، إذْ نادراً ما تسمع داخل المقهى أو القطار حديث الناس عن الكتب أو الأفلام أو حتّى آراء سياسية نقدية تجاه البلد الذي ينتمون إليه. ففي غالب الأحيان يتهافت الناس حول الفضائح وأخبار النجوم خاصّة ما يرتبط بها من جنس وكذب. فمثل هذه الأخبار أصبح ينشغل بها الناس والتي يكون مصدرها الأوّل والأخير وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحى ينبث فيها نوعٌ من الرداءة المتعفّنة.
لا غرابة أنْ يتابع الناس أخبار دنيا بطمة، أكثر من متابعتهم لتجارب غنائية واعدة تُقدّم أشياء مذهلة على المستوى الموسيقي. لكنْ أنْ تصبح باطما حديث مجتمع بأكمله، لا يليق بساحة غنائية طالما قدّمت أسماء كبيرة إلى الساحة الغنائية في العالم العربي. فهل نعيش اليوم أفول الفنّ الحقيقي؟ أم أنّها مجرّد موجة عابرة سرعان ما ستهدأ وتختفي إلى الأبد؟