ويعمل أمين ناسور على تجديد موضوعات سبق طرحها في تاريخ المسرح العربي والعالمي، لكنّ طريقته في التناول والمُعالجة تجعلان النصّ المسرحيّ جديداً ومُغايراً ويهجس دوماً بالتجريب الفنّي والفرجة المبنيّة على إيقاعاتٍ مسرحية مُتباينة بين نصّ وآخر.
ففي رحلته الواعدة يُتقن أمين ناسور فنّ الاستماع إلى ما يحبل به المجتمع المغربي من تناقضاتٍ وأعطابٍ ومآزق وتصدّعاتٍ. إذْ يعمل على تركيب موضوعاته وإعادة تقديمها وفق قالبٍ مسرحيّ زاخر بالفنّ والجمال. ولأنّ ناسور من الوجوه الجديدة داخل المسرح المعاصر، فإنّ مفاهيم التجديد والحداثة، لا يكادان يُفارقانه على مستوى الإخراج، جاعلاً من خشبة المسرح فضاءً لاختبار المَواقف والرؤى والأحلام.
إنّ أمين ناسور، لا يتوقّف عند هذا الحدّ المُتعلّق بالإبداع المسرحيّ، لأنّه يدخل دوماً في النقاش المدني المُرافق لسيرورة المسرح المغربي والصعوبات الجمّة التي تعترض سيره وتقدّمه، سواء من لدن المُتهافتين والمُّسترزقين من الفرجة المسرحية، أو من جانب الجهات الوصية على الدعم المسرحي في المغرب.
عن تجربته المسرحية كان لـ le360 هذا الحوار معه:
ما الصورة التي ترسمها لهذا الجيل الجديد على مستوى الاشتغال الفني والجمالي، على خلفية كونه من الوجوه الفنيّة المُنتمية إلى الحركة المسرحية الجديدة في المغرب؟
عرف المغرب بروز حساسيات جديدة في العشرية الأخيرة أغنت الساحة المغربيّة والعربيّة مسرحياً. وشخصياً أعتبرها امتداداً طبيعياً لمجموعة من التجارب السابقة، التي أسّست الركائز الأساسية لهذا الفن في وطننا شكلاً ومضموناً. بمعنى أنّنا لم نأت من فراغ ولسنا فقاعات عابرة، بل هو وعيّ مسرحيّ جديدٍ بدأ يتشكّل ويُحاول أنْ يبرز ذاته وفكره وأسلوبه، دون استنساخٍ أو تشابهٍ. كل مخرج يجتهد في أسلوبه الفني ويحاول أن يطوّره.
ولنكن موضعيين لم يتوفق الكل في هذا الأمر، إذْ هناك من ترك تجربته تنخره داخليا ففقدناه وفقدنا ابداعه في ساحتنا المسرحية.
ما الدلالات الجمالية لعنوان مسرحيتك " بضاض" وكيف تأتى الاهتمام بالحبّ كتيمةٍ نفسية ومسرحته تفكيراً وتأليفاً وإخراجاً؟
بضاض مرادف أمازيغي لكلمة الحبّ واختيار التسمية من طرف الفرقة فيه نوع من الهويّة والانتماء أيضاً. لا سيما وأنّنا مجتمع يجد صعوبة بالغة في التعبير عن "بضاض" وصنف الخوض في تفاصيله ومَشاكله من المحظورات على الصعيد المجتمعي. لذلك حاولنا كفرقة مسرحية اقتحام هذا ال "طابو" المُجتمعي و ناقشناه كتيمة في العرض من خلال فكرة أصلية لزكرياء لحلو و دراماتورجيا لعصام اليوسفي ومساهمة في الكتابة لكل من جليلة تلمسي و عبد الله العبداوي.
وقد وحاولت كمخرج أن أقدّمه في شكلٍ فنيّ مسرحيّ متفرّد من خلال استلهام أسلوب "الميوزيك هول" ولكن بسمات مغربيّة، ولأنّ المسرحية بدأت بسؤالٍ استفزازي عن مفهوم الحبّ، على أساس أنّه سؤالٌ أنطولوجيّ صعب، رغم أنّ الفرقة عملت على مدار ساعة ونسف على تشريحه مسرحياً رفقة ممثلين وممثلات بعد عام ونصف من الحجر الصحّي.
لكن متى بدأ الاشتغال عليها؟
فكرة العرض بدأنا الاشتغال عليها قبل الحجر في فرقة "سينيرجيا" وكنا سنقدّم المسرحية في مارس 2020. ولكن رب ضارة نافعة كما يُقال. لهذا فإنّ فترة الحجر كانت امتحاناً حقيقياً لكل شيء في حياتنا، بحيث اكتشفنا حقاً زيف وعمق الأشياء.
لذلك شخصياً أعدت النظر في بعض تفاصيل العرض لكي، يُساير ما عشناه وأحسسناه في تلك الفترة. وأهم أحساس اختلطت علينا مفاهيمه وتفاصيله هو الحبّ.
إلى أيّ حد استطعت كمُخرجٍ خلق نوعٍ من التزاوج والتجانس بين جيلين من أجل تقديم إمكاناتٍ فنيّة ثرّة وغنيّة مُغايرة للمسرحية على مستوى الأداء؟
اختيار الممثلين بالنسبة لي كمخرج يحكمه محدّدين أساسي: الموهبة المتنوّعة والتكوين والجانب الإنساني وعشق المسرح. لا أميّز في اختياراتي بين الأسماء اللامعة والأسماء التي بدأت تشق طريقها. لأنّ الأهم أنْ نُحبّ ما نعمل عليه وننخرط فيه بتفاني واخلاص. ليس هناك نجمٌ نعوّل عليه، فنجمنا الوحيد هو العرض.
ففي بضاض كانت توليفة فنيّة فيها نوع من المغامرة بالنسبة للكثير، خصوصاً وأنت تجمع بين المخضرمين (كمال كاضمي، عبد النبي البنيوي) وممثلتين صاعدتين تشقّان طريقهما بتباث وذكاء هما خديجة زروال ومهى البوخاري.
هذا إضافة إلى مشخّصة غنائية تلعب أولى عروضها المسرحية وهي حنان أمجد. ولكن من شاهد العرض اقتنع أنّ أدائية الممثلين والممثلات جميعاً كانت مقنعة وتشكّل لحمة متماسكة وهذا دور المخرج طبعاً وطرق اشتغاله في إدارة ممثليه داخل العمل.
في "بضاض" عملت على جعل الكوميديا مختبراً لطرح أسئلة الحبّ والألم والزواج والعشق، لا كخطاب مسرحي يقوم على الترفيه والاستجمام، وإنّما للضغط على جرح العلاقة الزوجية أكثر. كيف اهتديت إل ذلك؟
الاشتغال على الكوميديا يستهويني دائما. وأصعب ما يمكن أن يشتغل عليه المخرج والممثل في عالم الكوميديا هي كوميديا الموقف وكوميديا الطباع، بحيث تتطلّب التمكّن والموهبة والدراية والخبرة والذكاء أيضاً في صنع الفرجة. وهذه الأخيرة، هي مضمون يجب أوّلاً أنْ يلامس اليومي والراهن لدى المتفرج لكي يتفاعل معه ويستقبله بالشكل الفني المقترح عليه من طرف الفرقة بكل أريحية، لذلك فإنّ الكوميديا في العروض معادلة صعبة جدا.
هل تعتقد أن طرح موضوعات برؤى نفسية ومدنية وسياسية ستقرّب الجمهور المغربي من المسرح بعد سنوات طويلة من الهجران؟
الجمهور المغربي أصبح متطلبا جدا بمعنى لن تقنعه بعرض سطحي ومبتذل فقط من أجل اضحاكه ولن يصعد الى برجك العاجي ليفهم مضمون عرض تفرغ فيه نزواتك الفكرية. الجمهور اليوم يبحث عن فرجة مختلفة تعبر عن راهنيته فيها اجتهاد واضحة المضمون والمعنى وممتعة في الفرجة والتلقي. إننا اليوم أمام جمهور السهل الممتنع، يحضر بكثافة للعروض التي تجذبه او تستفزه ايجابا ويهجر العروض التي تستخف به او تتعالم عليه.
كيف تقيّم علاقة النقد بأعمالك المسرحية؟
محظوظاً بما خطه النقد المغربي حول مسرحياته ومزال إلى غاية كتابة هاته السطور. إذْ هناك اهتمام كبير اليوم من طرف النقاد المغاربة بما تنجبه الخشبة المسرحية المغربية الجديدة من تجارب تعطي لكل تجربة مساحتها النقدية حسب أهمية طرحها الفني واستمراريتها. بل هناك من النقاد المغاربة من أدخل دراسة وتحليل التجارب المسرحية الراهنة إلى رحاب الجامعة عبر انجاز بحوث الإجازة والماستر ورسائل الدكتوراه حولها. تجربتنا النقدية المغربية هي تجربة رائدة على المستوى العربي وتتميز بتصالحها تام واحتضانها للتجربة المسرحية الجديدة ومتابعة جيدة لها.