في عام 1978، برزت تناقضات استراتيجية الجزائر تجاه قضية الصحراء. فمن جهة، منعت الجزائر البوليساريو من أي احتمال للاتحاد مع المغرب، بحجة الدفاع المزعوم عن حق تقرير المصير. ومن جهة أخرى، دفعت مصطفى سيد الوالي ورفاقه إلى جر موريتانيا إلى اتحاد قسري مع «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» الوهمية. استراتيجية أقل ما يقال عنها إنها غريبة: عسكرية في وسائلها، وديماغوجية في خطابها، والأهم من ذلك كله، أنها متناقضة كليا مع المبدأ المقدس الذي تدافع عنه في الأمم المتحدة. يمكن للمرء أن يلمس فيها بصمة القذافي، الذي حلم تارة بضم تونس باسم الاتحاد بين البلدين، وتارة أخرى يحلم بتطبيق المشروع الاستعماري المتمثل في المنظمة المشتركة للمنطقة الصحراوية، التي تضم موريتانيا وقبائل الرحل في منطقة الساحل بأكملها.
ولكن وراء هذا الموقف تكمن حقيقة أخرى. يبرز دور هواري بومدين وقاصدي مرباح، صديقه القديم والمتواطئ معه في الإطاحة بأحمد بن بلة عام 1965. مرباح، الذي وصفته صحيفة لوموند بعد وفاته في غشت 1993 بأنه «رجل الملفات، الذي يعرف كل شيء ولا يعرف عنه شيء»، كان مديرا للأمن العسكري من عام 1962 إلى عام 1979: وكانت نفوذه شبيه بنفوذ محمد مدين (المعروف باسم توفيق والذي كان الرجل القوي لدائرة الاستعلام والأمن). ولد قاصدي مرباح في فاس عام 1938، واسمه الحقيقي عبد الله خلف، ويجسد نموذج رئيس المخابرات السرية. إلى جانبه، أسهم بشير نيغلي (Bachir Negli)، رجل الظل، في رسم الخطوط العريضة لنظرية مؤامرة جزائرية تبرر دائما باسم «القضايا العادلة» المزعومة.
الرئيس المختار ولد داداه، الذي وصفته الصحافة الجزائرية بالفاسد، رغم أن الجميع في موريتانيا يعلمون أنه يفتقر إلى الموارد اللازمة لشراء منزله، لم يتردد في التنديد علنا بالهجمات العسكرية الجزائرية التي نفذت تحت لواء البوليساريو.
تحديد تاريخ الانقلاب
تكشف برقية سرية مؤرخة في 29 دجنبر 1978 أن بشير نيغلي، الشخصية المحورية في الأوساط الاقتصادية والسياسية الجزائرية، لعب دورا حاسما في تحديد موعد الانقلاب بإبلاغه الرئيس بومدين مباشرة بالعمل العسكري الوشيك. وكان نيغلي، نجل سفير سابق في النيجر، قد أقام علاقات قوية في داكار، حيث استقر بعد القطيعة الدبلوماسية بين نواكشوط والجزائر عام 1975.
كانت أنشطته في الأشغال العامة بمثابة غطاء لمهام استخباراتية. وتجسد مسيرته بوضوح المقاربة الجزائرية: استخدام وسطاء سريين، ورجال أعمال، ووكلاء اتصال، قادرين على ممارسة الضغط السياسي عبر قنوات موازية وغير رسمية.


موريتانيا قبل انقلاب 10 يوليوز 1978
بالنسبة للرئيس المختار ولد داداه والمكتب السياسي الوطني، كان عداء هواري بومدين نابعا مباشرة من الموقف الموريتاني في نزاع الصحراء. بعد اعتراف الجزائر بـ«الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» الوهمية، صرح ولد داداه قائلا:
«لأنهم لم يتمكنوا من دفع موريتانيا إلى الانحياز المطلق لموقفهم من قضية الصحراء، قرر القادة الجزائريون تسليح مجموعات من المرتزقة وتأطيرها ودعمها، وكانت مهمتهم مهاجمة أهداف مدنية استقرت داخل الحدود الموريتانية عام 1960. وتعرضت مدينتا إيال و بئر أم قرين، على وجه الخصوص، للهجوم ليلة 9 و10 دجنبر 1975. وحاصرت القوات الجزائرية مدينة عين بنتيلي، عاصمة المقاطعة، واحتلتها لعدة أيام. ولا يزال جنود موريتانيون محتجزون حاليا في الأراضي الجزائرية» (1).
وتذهب البرقية نفسها إلى أبعد من ذلك، وتذكر السلطات الجزائرية بأن العديد من أعضاء حكومة «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» الوهمية كانوا في الواقع مواطنين موريتانيين سابقين:
«لقد جندت الحكومة الجزائرية مواطنين موريتانيين، وطافت بهم في جميع أنحاء العالم سعيا للاعتراف بما يسمى «حركة تحرير الصحراء». والآن، ينشئ القادة الجزائريون «جمهورية صحراوية»، ويعينون مواطنين موريتانيين معارضين سياسيين كأعضاء في حكومتها. وكان أحد أعضاء هذه الحكومة المزعومة دبلوماسيا، بل وقائما بالأعمال في السفارة الموريتانية بالجزائر» (1).
اعترافات المختار ولد داداه
وفقا لبرقية دبلوماسية مؤرخة في 23 فبراير 1977، أرسلها السفير الفرنسي ريموفيل (Removille) من نواكشوط، استغل الرئيس المختار ولد داداه حفل عشاء أُقيم على شرف الرئيس نيكولاي تشاوشيسكو لتوضيح رؤيته للعلاقات الدولية، وخاصة مع الجزائر. وصرح حينها قائلا:
«وإن كان من المؤكد أن بناء علاقات ثقة ودائمة مع الدول الأخرى ليس بالأمر اليسير، ولم تكن لدينا سوى تجارب مع شعوب أخرى منذ استقلالنا، إلا أن التجربة تشير بجلاء إلى أنه لا يمكن أن تبنى هذه العلاقات، ولا يمكن الاعتماد عليها إلا عندما تكون قائمة على المساواة والاحترام المتبادل. هذا هو أساس أي علاقة دولية قائمة على المساواة والاحترام المتبادل، وبدون هذا الأساس المتين، لا يكون إلا ما يمكن التنبؤ به، لأن التاريخ لا يمكن أن يرجع إلى الوراء» (2).

تكتسب هذه الكلمات دلالة جيوسياسية واضحة: إذ يستحضر ولد داداه، من خلالها، التوترات الإقليمية التي سادت آنذاك بين موريتانيا والجزائر والمغرب بشأن الصحراء. وبذلك، أكد مجددا أن مستقبل العلاقات الدولية يجب أن يقوم على مبادئ راسخة، بعيدا عن صراعات القوة المفروضة. وبهذا الموقف، وضع موريتانيا في إطار تقليد دبلوماسي يهدف إلى جعلها طرفا فاعلا متوازنا وداعما للاستقرار.
لكن هذه الرغبة في السلام ستحطم. لقد أعطى انقلاب 10 يوليوز 1978 تاريخ الصحراء منعطفا مختلفا بشكل جذري، تميز بجني ثمار عدوان البوليساريو وإرهابها.
صحيفة المجاهد تخبر بالانقلاب الذي أعده بومدين المريض
في 3 يوليوز 1978، قبل أسبوع من الانقلاب، نشرت صحيفة «المجاهد» الجزائرية مقالا وقعته جماعة تطلق على نفسها اسم «الديمقراطيون في موريتانيا» بعنوان: «لا لانتحار موريتانيا». هذا النص، الذي أرسله السفير الفرنسي في الجزائر في 8 يوليوز 1978- قبل ثلاثة أيام من الانقلاب- إلى وزير الخارجية لويس دو غورينغو (Louis de Guringuad)، يبدو جليا أنه كتب تحت الطلب. هاجم «الاستعمار الفرنسي» و«تدخلات» السنغال على المستويين الثقافي والإثني.
أكد نداء «الديمقراطيين» على الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها موريتانيا، لكنه لم يشر إلى الهجمات التي شنتها جبهة البوليساريو في فبراير 1978 والتي استهدفت خط السكة الحديدية بين الزويرات ونواذيبو. هذه الهجمات، التي وصفتها نواكشوط بـ«العدوان الجزائري»، شلّت تصدير الحديد، وهو مورد حيوي للبلاد.
شكلت الإطاحة بالمختار ولد داداه نقطة تحول حاسمة في التاريخ السياسي الموريتاني وفي التوازن الجيوسياسي للمغرب الكبير والصحراء. منذ عام 1975، رأت موريتانيا، التي انخرطت إلى جانب المغرب في حرب منهكة ضد جبهة البوليساريو، وبالتالي ضد الجزائر، قدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية قد استنزفت. ووجدت اللجنة العسكرية للإنعاش الوطني، المنبثقة عن الانقلاب، نفسها أمام معادلة مستعصية: استمرار الحرب يعني إفلاس الدولة، لكن الانسحاب منها يتطلب تغييرا جذريا لسياستها الإقليمية.
ما بعد الانقلاب
اعتبر سقوط ولد داداه حدثا تاريخيا في الجزائر. وتشير البرقيات الدبلوماسية الفرنسية إلى أنه في أعقاب الانقلاب، انتشت الصحافة الجزائرية واحتفلت بسقوط نظام وصف بأنه «لا شعبي» و«متواطئ مع العدوان المغربي». إلا أن الحذر ساد رسميا: فلم تفصح الطغمة العسكرية الموريتانية عن نواياها بعد، وفضلت الجزائر الانتظار والترقب.
في ظل هذه الأجواء، اِلتزم عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان يزور باريس آنذاك، الصمت حيال أحداث نواكشوط. لكن هذا الصمت لم يكن سوى غطاء: فخلف هذا التحفظ الدبلوماسي، كان يلوح التدخل المباشر لهواري بومدين، الذي تابع العملية عن كثب بمساعدة رجل ثقته، قاصدي مرباح، من أجل إزاحة الرئيس ولد داداه.
مع مطلع عام 1979، سعت السلطات الموريتانية جاهدة إلى إيجاد حل للصراع. أشارت البرقيات الدبلوماسية الفرنسية في البداية إلى اتصالات استكشافية مع الجزائر، تلتها بعثات رسمية. وتعد بعثة 12 يونيو 1979 مثالا بارزا على ذلك: فقد قادها المقدم أحمد سالم ولد سيدي، وضمت أحمدو ولد عبد الله، وزير الخارجية، وداني مولاي محمد، وزير التخطيط. وقد منح حضور ولد عبد الله المبادرة شرعية سياسية قوية، تعكس رغبة نواكشوط في مراجعة موقفها جذريا. كنا حينذاك على أعتاب توقيع معاهدة الجزائر للسلام، المبرمة في 5 غشت 1979.
ولم تكن هذه الوفود مجرد بعثات بروتوكولية، بل شكلت المراحل التحضيرية لتحول استراتيجي. وأشرفت أجهزة المخابرات الجزائرية، بقيادة قاصدي مرباح، الذي كان يشرف حينها على وزارة التسليح والاتصالات العامة (تعرف أيضا باسم المالغ)، بشكل مباشر على العملية. يعتبر مرباح مهندس «السياسة الصحراوية» للجزائر، وقد عمل جنبا إلى جنب مع وسطاء مثل بشير نيغلي، الذي حافظ على علاقات وثيقة مع بعض الدوائر الموريتانية المؤيدة للسلام مع البوليساريو.
وظفت الصحافة الجزائرية كأداة ضغط حقيقية. أصدرت يومية «الشعب» تحذيرات متكررة، متهمة موريتانيا بـ«الخيانة» بقطع علاقاتها مع الجزائر عام 1975، ومشددة على ضرورة المصالحة. هدفت هذه الهجمة الإعلامية إلى إضعاف نواكشوط نفسيا من خلال تسليط الضوء على ضعفها وعزلتها.
أمام هذه الهجمة، حاول المغرب مواجهة النفوذ الجزائري من خلال تحركات سفارته ووسطائه السياسيين في موريتانيا. كما حذرت المملكة العربية السعودية، حليفة نواكشوط التقليدية، من «الأوهام» الجزائرية، التي وصفت في برقية بأنها «لغة معسولة تخفي حقائق مريرة». لكن هذه التحذيرات ظلت غير مجدية في مواجهة الإرهاق العسكري والضغوط الداخلية. تبرز البرقيات الدبلوماسية التعب العميق الذي يشعر به الجيش الموريتاني، العازم، في ظل القبضة الجزائرية الخانقة، على إنهاء حرب استنزاف.
إن إزاحة المختار ولد داداه، الذي سعى للحفاظ على استقلال قرار بلاده، فتح الطريق أمام موريتانيا لقبول «السلام»، الذي فرضته الجزائر عام 1979. يظهر هذا المنعطف أن تاريخ الصحراء المغربية لا يمكن فهمه إلا من خلال تحليل التدخلات والضغوط الخارجية: فقد لعبت الجزائر دورا حاسما، محولة نزاعا إقليميا إلى شرخ جيوسياسي دائم في المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل.

