أثارت برقية واردة من فيينا تحت عنوان: «طلبية هامة لمادة مخدرة من قبل ليبيا»، أرسلها السفير الفرنسي جون بيير تابو (Jean-Pierre Thabault) يوم 12 دجنبر 1984، الانتباه إلى شحنة غريبة طلبها القذافي. وتتحدث البرقية عن طلبية لدفعة من «36 مليون قرص كبتاغون من شركة ديغوسا الألمانية، ومقرها فرانكفورت». وأضاف السفير الفرنسي أن الشركة «هي الوحيدة في العالم التي تصنع هذا المنتوج»، مشيرا إلى أنه «يعتقد أن صاحب الطلبية هو ليبي مقرب جدا من العقيد القذافي».
قبل سوريا ومختبرات الشرق الأوسط، كان للقذافي دور أساسي في تحويل عقار الكبتاغون لاستخدامه كأداة حرب ومنشط للجنود. في عام 1986، صنفت الولايات المتحدة هذه المادة ضمن الجدول الأول (الذي يتضمن المواد أو العقاقير المخدرة شديدة الخطورة)، وأدرجتها منظمة الصحة العالمية في قائمتها للمخدرات. وانهارت التجارة «القانونية» لشركة ديغوسا الألمانية، التي كانت تمتلك حقوقا حصرية لتصنيعه. غير أن هناك نقطة غاية في الأهمية: لا يمكن لمختبر سري صغير أن ينتج هذا النوع من المنتوجات على نظاق للجيوش والجماعات الجهادية أو الإرهابية. يصنع الكبتاغون من قبل مختبرات دولة أو بتواطؤ من الأنظمة.


الجزائر، مركز غير معروف منذ سنوات الثمانينات
أدى حظر الكبتاغون إلى نشوء سلسلة إنتاج سرية في ليبيا التي كانت تغذي الحرب بين إيران والعراق، وسلسلة أخرى أكثر سرية في الجزائر. ومنذ مطلع سنوات الألفين، ركزت المختبرات الجزائرية على عقاقير مخدرة أخف موجهة للشعب، والتي غزت، ولا تزال، المغرب الكبير وإفريقيا.
ووفر احتكار الدولة الذي فرضته الجزائر في يناير 1982 غطاءً مثاليا، مما سمح للمختبرات المملوكة للدولة بالظهور والعمل دون عوائق. والنتيجة: «سلسلة قصيرة»، كما تصفها أوروبول في ملاحظاتها حول أسواق المخدرات في أوروبا، حيث تتطلب الطلبيات والتسليم وإعادة التوزيع توقيعا وزاريا واحدا، وهو ما يمثل كابوسا للمحققين الأوروبيين. وقد تناول تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي بعنوان: «المخدرات: السرطان الآخر» محاضر الجمارك الفرنسية توثق اقتناء تقنيين ووسطاء جزائريين لآلات كبس من نوع «فيت» (Fette) و«مانستي» (Manesty) من فرنسا وبلجيكا وألمانيا، والمستخدمة في إنتاج مسكنات الألم والكبتاغون، والتي يربطها تقرير مجلس الشيوخ مباشرة بمختبرات المخدرات الموجودة في الجزائر.
الجزائر توفر سهولة العبور والمرافق الصناعية وممرا بريا
في ظل الحصار (1986-1999)، كانت ليبيا تتلقى كل ما تحتاجه عبر الجزائر. كانت الجزائر حلقة وصل لوجستية رئيسية للقذافي. وكشف تقرير نشرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول المخاطر الأمنية في غرب إفريقيا أن القوافل العسكرية الجزائرية، الحاصلة على تصاريح عبور «سرية للغاية»، تنقل باستمرار شحنات سرية إلى ليبيا. وتصف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الجزائر بأنها نقطة محورية على محور طرابلس-دمشق لتدفق الأسلحة الخفيفة ودفعات من معدات مختبرية خاصة بصناعة المخدرات. منذ عام 1978، كما يوثق التقرير، سمحت لجنة مشتركة بين قطاعي الدفاع والصناعة للجزائر بإعادة تصنيف براميل مشتقات الفينيتيلين (الجزيء الأساسي في صناعة الكبتاغون) المتجهة إلى مصراتة على أنها «معدات أوراش». وأشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن هذه القوافل العسكرية نقلت في الوقت نفسه قذائف من عيار 122 ملم ومذيبات كيميائية، مما حول المسار الصحراوي إلى طريق مزدوج للأسلحة والأمفيتامينات.
وبالموازاة مع ذلك، ضخمت سوناطراك مشترياتها من «المذيبات التقنية» بشكل مصطنع. ووصف مسح الأسلحة الصغيرة «Small Arms Survey»، ومقره جنيف، هذا التدفق بأنه أحد البوابات القليلة الموثقة بين الرساميل الليبية والحسابات الخارجية الجزائرية. تربط هذه الهندسة المالية بشكل مباشر تجارة المخدرات في الجزائر بدوائر السلطة. وهكذا، تضفي الجزائر ميزة قيمة بعد العقوبات المفروضة على طرابلس: سيولة الجمارك. وهكذا، تجد الشحنات المحظورة في الجزائر البوابة المثالية إلى ليبيا، قلب التخزين، ثم تنقل بعد ذلك إلى سوريا.
في هذه المنظومة، كانت الجزائر في قلب العملية برمتها. بالإضافة إلى ليبيا وسوريا ولبنان وإيران، تعد الجزائر أيضا طرفا رئيسيا في ازدهار تجارة أحد أكثر المخدرات فتكا في العالم. وقد اختار النظام الجزائري، على وجه الخصوص، استراتيجية الإنتاج المحلي للمؤثرات العقلية، المخصصة رسميا لسوق الأدوية الوطنية، إلا أن استخدامها خدم، ولا يزال، سوقا سوداء مزدهرة. وقد تعزز هذا الدور من خلال دعمها النشط للنظامين السوري والليبي، في سياق الحرب الباردة، وصراعات النفوذ، ودعمها لمختلف الحركات التي تطلق عليها نفسها «ثورية» (إيران، والبوليساريو، وحزب الله...).
ملف الكبتاغون: الأرشيفات التي يجب فتحها
يكشف تتبع العلاقة الجزائرية-الليبية أن الحدود الفاصلة بين التضامن الثوري والجريمة المنظمة دقيقة جدا. وقد وفر تكتم الجزائر، الذي تغذيه هالتها كدولة عالمثالتية، لها غطاء دبلوماسيا دائما. ومع ذلك، لا تزال عمليات حجز الشحنات التي جرت عام 2025 في سالونيك وبور سودان تظهر الشوائب النموذجية للشحنات الصحراوية، مما يؤشر على أن الشبكة القديمة لم تفكك بالكامل. وما دامت السرية تحيط بالناقلين، فسيظل الكبتاغون كاشفا على التواطؤ الأمني الإقليمي، من الساحل إلى البحر الأبيض المتوسط.
تزدهر المختبرات السرية على طرق النفط والغاز نفسها. وأي مبادرة استقرار تتجاهل هذا الواقع محكوم عليها بالفشل. الآن، يقع على عاتق المؤسسات متعددة الأطراف مطالبة الجزائر وشركائها بفتح الأرشيفات والتعاون القضائي. فبدون الشفافية، ستواصل الدول التي ينتج فيها الكبتاغون تمويل حروب بالوكالة، مع تعميق التبعية الاجتماعية المدمرة لهذه المادة.
