أثار إعلان عن ارتفاع ملحوظ في عدد التأشيرات الممنوحة للطلبة الجزائريين خلال عام 2025 موجة من الجدل داخل الأوساط السياسية الفرنسية. فقد تسابق الساسة على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن دهشتهم أو استنكارهم أو انتقادهم للمنشور الذي نشرته السفارة الفرنسية في الجزائر.
فما الذي حدث بالضبط؟
في رسالة على منصة “إكس”، كتبت السفارة الفرنسية في الجزائر ما يلي: «كامبس فرانس والسفارة الفرنسية في الجزائر يهنئان 8351 طالبا جزائريا حصلوا على تأشيرة للدراسة في فرنسا خلال الموسم الجامعي 2025. هذا الرقم يمثل زيادة تفوق ألف تأشيرة مقارنة بعام 2024. وقد تم قبول ملفات 87 في المئة من الطلبة الذين تقدموا عبر مسطرة الدراسة في فرنسا ».
لكن أقل ما يمكن قوله هو أن هذا البيان، الذي بدا وكأنه إعلان “نصر”، جاء في توقيت غير مناسب تماما، وسط أزمة دبلوماسية فرنسية جزائرية متواصلة، بعد عام تقريبا من توقيف بوعلام صنصال وكريستوف غليز، في وقت تواصل فيه الجزائر رفض استعادة رعاياها المقيمين بطريقة غير قانونية في فرنسا. لذا، يثير هذا المنشور تساؤلات حول غياب الحس السياسي...
تجدر الإشارة إلى أن “كامبس فرانس” هو مؤسسة عمومية تخضع لإشراف مزدوج من وزارة الخارجية ووزارة التعليم العالي، ولا علاقة لوزارة الداخلية بعملها. وتتولى هذه الهيئة مهمة انتقاء المترشحين الراغبين في متابعة دراستهم العليا بفرنسا، عبر اختبار كفاءتهم في اللغة الفرنسية، ودراسة ملفاتهم الأكاديمية، وربطهم بالجامعات الفرنسية إن اقتضى الأمر. لكنها لا تمنح التأشيرات، بل تنقل الملفات إلى القنصليات التي تبت في منح التأشيرة أو رفضها وفق المعايير المعتادة: السكن، الموارد المالية، وغيرها.
وهذا ما حدث في هذه الحالة، مثلما حدث في الصيف الماضي، حين اكتشفت الصحافة الفرنسية أن طالبة فلسطينية كانت تنشر رسائل معادية للسامية دخلت إلى فرنسا بشكل قانوني تماما من أجل الدراسة.
هذه القضية تكشف عدة نقاط أساسية:
- كثير من الطلبة الجزائريين الذين يأتون إلى فرنسا لا يعودون إلى بلدهم بعد انتهاء دراستهم، بخلاف الطلبة المغاربة الذين تدفعهم الآفاق الاقتصادية الواعدة في بلدهم إلى العودة. ولهذا، كما أشارت الصحافة، تحولت “تأشيرات الطلبة” إلى وسيلة هجرة عادية نسبيا، تتيح للبعض دخول فرنسا ومحاولة البقاء فيها.
- وزارة الداخلية الفرنسية لا تشارك إطلاقا في عملية اختيار الطلبة، إذ تتم هذه العملية على أسس أكاديمية بحتة، ما يفسر التوتر الصامت (الذي أصبح أقل خفاء) بين وزارة الداخلية ووزارة الخارجية الفرنسية.
- الاتفاق الفرنسي الجزائري الموقع عام 1968 يسمح بوجود “جسور” بين صفة الطالب وصفة رائد الأعمال. وهذه هي الحيلة التي يلجأ إليها كثيرون للبقاء في فرنسا: يكفي تأسيس مشروع صغير لتحويل تأشيرة الطالب إلى إقامة دائمة.
- أنا شخصيا، خلال سنوات إقامتي في الجزائر العاصمة، واجهتُ هذه المشكلة: في ذلك الوقت، كانت فرنسا تُصدر حوالي 30 ألف تأشيرة دراسية سنويًا. وبالتعاون مع القسم الثقافي في السفارة، قامت القنصلية بفحص جميع الطلبات للتأكد من واقعية المشاريع الجامعية ومتانتها، ما أدى إلى خفض عدد تأشيرات الطلاب الصادرة إلى النصف... مع احتمال إثارة انتقادات السلطات الجزائرية. لأن العديد من الطلاب الجزائريين هم من أبناء الطبقة السياسية الحاكمة: أبناء وزير الإعلام، مثل أبناء وزير الداخلية الحالي، يُكملون تعليمهم العالي في فرنسا...
- لكن أبرز ما يُلام عليه في هذه القضية هو غياب الحس السياسي لدى السفارة الفرنسية في الجزائر: فالتباهي علنا بارتفاع عدد التأشيرات، في ظل التوتر الدبلوماسي القائم بين البلدين، يعكس جهلا واضحا بالسياق. خصوصاً أن هذا حدث في الوقت نفسه الذي استُبعدت فيه السفارة الفرنسية و”كامبس فرانس” من المشاركة في معرض الجزائر الدولي للكتاب (SILA) بقرار من السلطات الجزائرية.


