استدعي نحو ألفي عنصر من قوات مكافحة الشغب إلى الضواحي المحيطة بباريس في أعقاب الحادث الذي تحول لموضوع الساعة في الوقت الحالي.
وتسبب الحادث بمواجهات بين الشرطة ومتظاهرين قاموا بإشعال حرائق متعمدة في ضواحي باريس ليل الثلاثاء، إذ أعلنت وزارة الداخلية توقيف 31 شخصا وإصابة 24 شرطيا بجروح طفيفة واحتراق نحو 40 سيارة.
وامتدت أعمال الشغب ليلا إلى مناطق أخرى في ضواحي باريس. وأُضرمت نيران في مبنى ملحق بمقر بلدية مانت-لا-جولي في مقاطعة إفلين المجاورة.
وليل الأربعاء استمر إضرام النيران بحاويات القمامة وإطلاق الألعاب النارية في نانتير بالضواحي الغربية باريس حيث قتل الشاب، إضافة إلى مدن أخرى في منطقة أو دو سين غرب باريس وفي مدينة ديجون الشرقية.
وقالت الشرطة إن مجموعة من الأشخاص أضرمت النيران في حافلة بعد أن نزل جميع ركابها في منطقة إيسون بالضواحي الجنوبية للعاصمة.
وفي مدينة تولوز جنوب البلاد أحرقت سيارات عدة وتم إلقاء قنابل حارقة على رجال الشرطة والإطفاء بينما تصاعد دخان أسود كثيف في السماء.
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان توقيف 150 شخصا ليل الأربعاء الخميس، منددا بأعمال عنف « لا تحتمل ضد رموز الجمهورية». وكتب دارمانان على تويتر أنه تم « إحراق أو مهاجمة ... بلديات ومدارس ومراكز شرطة »، مضيفا « عار على الذين لم يدعوا إلى الهدوء».
وندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس بـ «مشاهد عنف .. لا يمكن تبريرها » في بعض الأحياء الشعبية ضد «المؤسسات والجمهورية». وتمنى ماكرون متحدثا في افتتاح اجتماع خلية أزمة وزارية، أن تكون « الساعات المقبلة » ساعات « تأمل » و« احترام ».
انتقادات مختلفة
وأثارت القضية انتقادات من شرائح اجتماعية مختلفة. ووقف النواب والوزراء دقيقة صمت في الجمعية الوطنية تحية للضحية الذي عُرّف فقط باسمه والحرف الأول من عائلته.
وعبّر الرئيس إيمانويل ماكرون عن « تأثره » بمقتل الشاب حسبما نقل عنه الناطق باسم الحكومة أوليفييه فيران الذي دعا إلى « الهدوء ».
وقال ماكرون إن مقتل الشاب « لا يمكن تفسيره... وغير مبرر ». إلا أن تصريحات الرئيس لقيت انتقادات.
ورأت إحدى أبرز نقابات عناصر الشرطة أن هذه المواقف « لا يمكن تصوّرها ». واعتبرت زعيمة نواب التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبان أن التصريحات الصادرة عن الرئيس الفرنسي « مبالغ بها » و »غير مسؤولة ».
واعتبرت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن أن « الصور الصادمة » لإطلاق النار على الشاب « تظهر تدخلا من الواضح أنه غير متوافق مع قواعد التدخل لقوات إنفاذ القانون »، مشددة على « الضرورة المطلقة للتوصل إلى الحقيقة لتغليب التهدئة على الغضب».
وشدد وزير الداخلية جيرار دارمانان على أن السلطات « ستتخذ القرارات الإدارية بتعليق المهام في حال تم تثبيت التهم الموجهة إليه».
وأثارت وفاة نائل تنديدات من سياسيين يساريين انتقدوا ما وصفوه بأنه « أمركة الشرطة »، في إشارة إلى حوادث في الولايات المتحدة انتهت بقتل عناصر الشرطة لأشخاص كانوا يسعون لتوقيفهم.
وقال نائب اليسار الراديكالي مانويل بومبار «كذب جزء من الشرطة لمحاولة التستر على هذا العمل».
من جهتهم، تحدث ممثلون عن التجمع الوطني اليميني المتطرف عن « مأساة »، مطالبين باحترام « فترة التحقيق » بالإضافة إلى « قرينة البراءة ».
ودخل بعض نجوم الكرة على خط هذه القضية وفي مقدمتهم نجم الديوك وباريس سان جرمان كيليان مبابي، الذي غرد على تويتر: « تؤلمني فرنسا. وضع غير مقبول. كل أفكاري تذهب لأقارب وأسرة نائل، هذا الملاك الصغير الذي رحل باكرا جدا».
« ستتلقى رصاصة في الرأس »
ووقعت حادثة مقتل نائل صباح الثلاثاء خلف حي لا ديفانس قرب باريس حين لم يمتثل لنقطة تفتيش وحاول تجاوزها.
وأكدت مصادر في الشرطة في بادئ الأمر أن الشاب قاد سيارته باتجاه شرطيين على دراجتين ناريتين لمحاولة دهسهما.
لكن مقطع فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتحققت وكالة الأنباء الفرنسية من صحته، أظهر رجلَي شرطة وهما يحاولان إيقاف السيارة، قبل أن يطلق أحدهما النار عبر نافذتها على السائق عندما حاول الانطلاق بها.
وسُمِعَ صوت شخص يقول « ستتلقى رصاصة في الرأس »، من دون أن تتضح هويته.
واصطدمت السيارة لاحقا بجدار جانبي بعدما تحركت مسافة قصيرة إلى الأمام.
وحاولت خدمات الإسعاف في المكان إنعاش السائق الذي أصيب في القفص الصدري، لكنه توفي بعد ذلك بوقت قصير.
ولفت مكتب الادعاء في نانتير إلى أن الضابط (38 عاما) المتهم بإطلاق النار على السائق أوقف بتهمة القتل.
وأشار مكتب المدعي العام في نانتير إلى استجواب الموقوف في إطار تحقيق بالقتل العمد، مؤكدا تمديد توقيفه الاحتياطي على ذمة التحقيق.
« ثورة من أجل ابني »
ودعت والدة المراهق إلى مسيرة تكريما لابنها بعد ظهر الخميس في نانتير، قائلة في مقطع فيديو نشر على تيك توك «إنها ثورة من أجل ابني».
وأثارت ملابسات وفاة الشاب الغضب في نانتير (غرب باريس) حيث كان يقيم، وحيث اندلعت صدامات بين السكان وقوات الأمن مساء الثلاثاء.
وقرب المركز الصحي التابع للبلدية، قالت جولييت (55 عاما) التي طلبت عدم استخدام كامل اسمها إنها لم تتمكن من النوم جراء أعمال الشغب قرب منزلها. وأكدت أنها تشعر بمزيج من «الحزن، والغضب، وعدم الفهم».
من جهتها، تحدثت فتيحة ع عن «فقدان الثقة بين الشبان والشرطة». وأوضحت البلدية أن «العديد من المباني العامة والخاصة، بينها مدارس، تعرضت لأضرار كبيرة وغير مقبولة»، داعية إلى إنهاء «هذه الدوامة المدمرة».
وأعادت هذه الأحداث التذكير بسلسلة من أعمال العنف في الضواحي الباريسية.
ففي العام 2005، أثارت وفاة مراهقَين صعقا بالكهرباء في سين-سان-دوني شمال باريس خلال ملاحقة الشرطة لهما، أعمال شغب استمرت ثلاثة أسابيع ودفعت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ.