أثارت إدانة الناشطة والمغنية الجزائرية الفرنسية جميلة بن طويس، بتهمة « الإرهاب » بسبب أغنية مصورة نشرتها تندد فيها بـ »قمع الحريات » ومتظاهري « الحراك »، موجة من الغضب والاستنكار داخل الجزائر وخارجها، مع اتهامات بأن هذه الخطوة هي تجسيد لانتقامية سياسية.
من تكون جميلة بن طويس؟
جميلة بن طويس سيدة ستينية وأم لثلاثة أطفال، تحمل الجنسية الفرنسية وتقيم في فرنسا. وكانت زارت الجزائر في 25 فبراير 2024 لحضور جنازة والدتها، فتم توقيفها في مطار هواري بومدين ومن ثم تقديمها للتحقيق أمام السلطات، وسط مطالبات بالإفراج الفوري عنها.
ومثّلت بن طويس أمام الشرطة القضائية لمدينة الدار البيضاء، بالضاحية الشرقية للعاصمة الجزائر وخضعت لاستجواب آخر بشأن مشاركاتها المتعددة في نشاطات الجالية المساندة للحراك الشعبي، وآرائها في دعم التغيير الديمقراطي والسلمي في الجزائر.
وطال الاستجواب الأغنية التي كانت قد كتبت كلماتها وغنتها، وهي أغنية تندد بـ« القمع » الذي يتعرض له ناشطو الحراك الذي دفع الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة إلى الاستقالة، في عام 2019 كما طالب بإصلاحات سياسية وتعزيز الحريات.
وبعد ساعات من المثول أمام الشرطة القضائية، تم عرضها أمام قاضي التحقيق في الثالث من مارس ليأمر بحبسها مؤقتا حتى محاكمتها وفقا للمادة 87 مكرر من قانون العقوبات، وتم توجيه اتهام « جناية الانخراط في جماعة إرهابية تنشط داخل الوطن وخارجه، المساس بسلامة ووحدة الوطن، التحريض على التجمهر غير المسلح »، بحسب اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين.
وتم استئناف أمر الإيداع، لكن غرفة الاتهام أيدت أمر الإيداع يوم 13 مارس.
أغنية تندد بحكم العسكر
الأغنية التي أثارت الجدل تندد بشدة بالقمع الذي تعرض له ناشطو الحراك الذي أطاح بالرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة في عام 2019، وتطالب بإصلاحات سياسية وتعزيز الحريات. يبدو أن هذه الرسالة المناهضة للقمع والتطبيع مع السلطة أثارت انزعاج السلطات الجزائرية وأدت إلى اتهامات بالإرهاب والتآمر.
وتبدأ الأغنية المصورة بجملة « يسقط حكم العسكر » ثم يسمع صوتها وهي تقول « يا جزائر باعوك حكموا عليك بالانتحار. بولادك زادوك قول رانا في استعمار (استخدموا ولادك لتحطيمك وكأننا في زمن الاستعمار). هدو فينا (هددونا) بالعشرية وحنا خرجنا بالسلمية ».
وتردد الأغنية لازمة مرات عدة: « يسقط حكم العسكر! تسقط المخابرات! اللي قمعوا واللي حطوا ولادنا في المعتقلات. حرقتو بلادنا وذبحتو ولادنا يا جنرالات العار. غرقتو ولادنا ورميتوهم في البحار ».
وتفاعل الناشطون مع الأغنية منددين بالاضطهاد الذي تعرضت له الناشطة والمغنية بن طويس.
سياسة قمع حرية التعبير
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال ناشطين لنفس السبب، فقد أوقفت السلطات الأمنية بمدينة وهران المغني الجزائري الشاب بيلو، بسبب إطلاقه أغنية ساخرة عن رئيس بلاده عبد المجيد تبون.
وأشارت تقارير إعلامية جزائرية، إلى أن أغنية « راني مغبون دارها بيا تبون » زجت بالمغني الجزائري في السجن الاحتياطي.
وطالب الشاب بيلو، الذي اشتهر بغنائه في الملاهي الليلية، في أغنيته، من شباب بلاده بالاتجار في الممنوعات، تزامنا مع الأوضاع المزرية التي تعيشها الجزائر وكذا في ظل عدم توفر مناصب الشغل في بلادهم.
وخلق إيداع المغني الشعبي السجن، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر، خاصة وأنه تزامن مع الاحتجاجات المتواصلة في عدد من ولايات الجزائر، بما فيها الجزائر العاصمة، حيث أغلق الغاضبون الشوارع بعد انقطاع الماء الصالح للشرب.
ومن المثير للدهشة أن هذه الإدانات تأتي في ظل مطالبات دولية بضرورة إصلاح القوانين الجزائرية المتعلقة بتعريف الإرهاب، حيث يتهم الناشطون ومنظمات حقوق الإنسان السلطات الجزائرية بتضييق الخناق على المعارضة السلمية واستخدام التهم الإرهابية لقمع الحريات.
وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية إن الجزائر، في عام 2021 وسّعت تعريف الإرهاب في المادة 87 (مكرر) من قانون العقوبات « ليشمل السعي بأيّ وسيلة إلى الوصول إلى السلطة أو تغيير نظام الحكم بالطرق غير الدستورية، وهو تعريف فضفاض تستخدمه السلطات لمحاكمة المعارضين السلميين ».