على مدى أربعة أشهر كاملة، استطاع المطلوب الأول في أوروبا صلاح عبد السلام، أن ينجح في الاختفاء عن أنظار رجال الشرطة البلجيكية، بعد مشاركته في هجمات باريس في نونبر الماضي، وعلى الرغم من مئات الكاميرات وضباط الشرطة وفرق مكافحة الإرهاب، التي تضع عيونها مفتوحة على اتساعها في كل ركن وزاوية من حي مولنبيك.
عبد السلام لم يكن مختبئاً إذن في سوريا أو تركيا أو في هولندا، كما زعمت بعض الصحف مؤخراً، لكنه كان ببساطة في مولنبيك، على بعد بضع مئات من الأمتار من منزل أسرته، هناك في شارع فيرويندن حيث أوقفته قوات خاصة، حيث كان بصحبة صديقه ومساعده أمين شكري في ضيافة أحد معارفهما". ووفقاً لما صرح به عدد من سكان الشارع، كان صلاح عبد السلام مختبئاً في هذا البيت منذ عدة أشهر، بل إن بعضهم شاهده يعبر الشارع أكثر من مرة.
سقوط مفاجئ
بدأت قصة سقوط صلاح عبد السلام بالمصادفة البحتة، حين قامت الشرطة البلجيكية مساء الثلاثاء الماضي 15 مارس بإرسال ستة من ضباط الشرطة، أربعة بلجيكيين، وضابطين من فرنسا، لمداهمة شقة في الطابق الرابع بإحدى بنايات حي فورست ببروكسل، وكانت المعلومات التي لدى الشرطة عن هذه الشقة تؤكد أنها خالية من السكان، وليس بها ماء أو كهرباء، ولكن لأن التحقيقات في هجمات باريس تأكدت من أن شقة فورست تم استئجارها من قبل خالد البكراوي، وهو الشخص ذاته الذي قام باستئجار بيت شارلروا الآمن، والذي استخدمه إرهابيو باريس عبد الحميد أباعود وبلال حدفي وصلاح وإبراهيم عبد السلام، كنقطة تجمعوا فيها قبل توجههم إلى العاصمة الفرنسية، فكان لزاماً أن تقوم الشرطة بتفتيش الشقة، وما إن ضغط أحد الضباط على الجرس، حتى فتح الباب، وفوجئوا بطلقات كلاشينكوف تنهمر عليهم.
نعرف الآن كيف انتهت حادثة إطلاق النار في فورست: كان هناك ثلاثة من المشتبه بهم داخل الشقة، أولهما محمد بلقايد، الجزائري الذي قتل على يد أحد قناصة الشرطة، والذي أثبتت وثائق مسربة أنه التحق بداعش في 19 أبريل 2014، وأنه قاتل في سوريا تحت اسم أبو عبد العزيز الجزائري، وكان يستعد للقيام بهجوم انتحاري في أوروبا، واثنين آخرين استطاعا الفرار من الشقة، وحينها زعمت وسائل إعلام أن الهاربين هما الشقيقان خالد وإبراهيم البكرواي.
بصمات عبد السلام
مساء الخميس الماضي، وأثناء قيام رجال الشرطة برفع البصمات من شقة فورست، فوجئ المحققون بوجود بصمات صلاح عبد السلام على كوب زجاجي مملوء إلى نصفه بالماء، وهنا بدأت أولى خيوط سقوط عبد السلام الحقيقية في الظهور، حيث أعادت هذه البصمات الأمل من جديد في نفوس المحققين للقبض على المطلوب الأول في أوروبا، والهارب منذ أربعة أشهر كاملة، لم يكن هناك إلا معنى واحداً للعثور على بصماته على كوب من الماء، ألا وهو أنه كان في الشقة منذ ساعات، وهو ما يعني أن صلاح عبد السلام كان أحد المشتبه بهما اللذين نجحا في الفرار من الشقة بعد مقتل محمد بلقايد.
طبق البيتزا
بدأ المحققون صباح أول أمس الجمعة، في جمع المعلومات في شوارع فورست بعد هروب المشتبه بهما، وتوصلوا إلى المخبأ الجديد في شارع فيرويندن بمولنبيك، من خلال تتبع إشارات الهواتف، فبدأت الشرطة تراقب المنزل الذي اشتبهت في أن يكون الهاربين من شقة فورست يختبئان فيه، حتى حدث المشهد التالي: وصول سيارة تابعة لأحد محال البيتزا، ووقوفها أمام المنزل المراقب، يخرج عامل توصيل الطلبات من السيارة، يفتح باب السيارة الخلفي ويخرج كمية كبيرة من علب البيتزا، ويتجه إلى باب المنزل ضاغطاً على جرس الباب، تفتح الباب امرأة تتناول منه علب البيتزا الكثيرة، تعطيه الثمن وتغلق الباب من جديد.
بعد دقائق، كانت قوات الشرطة وفرق مكافحة الإرهاب تحاصر البيت، وباقتحامه، وجدوا بداخله أسرة كبيرة تتحلق حول قطع البيتزا وأكواب الشاي المغربي، وكان صلاح عبد السلام جالساً وسطهم، كواحد منهم، وبحسب صحيفة ده مورخن، فإنه فوجئ تماماً بوجود رجال الشرطة داخل البيت، وتمكنت الشرطة من السيطرة عليه بالداخل، إلا أنه قاوم، حتى هرب خارجاً من البيت، وفي الشارع أصابه رجال الشرطة في ساقه اليمنى، وتمكنوا من القبض عليه.
المخبأ
صحيفة "ده مورخن "كشفت أمس السبت، عن أصحاب البيت الذي كان يختبئ فيه صلاح عبد السلام، وهم عائلة مغربية مكونة من: عابد وسهام أبركان وجميلة، وتم اعتقالهم جميعاً، كما كشفت مصادر مقربة من الشرطة، أن اعتقال صلاح عبد السلام كان سيتم مساء أول من أمس الخميس، إلا أنه تم تأجيل اقتحام البيت إلى أمس الجمعة.
محامي شهير
بعد إلقاء القبض على صلاح عبد السلام، حياً مساء أول أمس الجمعة، أكد المحامي الجنائي المعروفة سفين ماري أنه تلقى اتصالاً من أحد أقارب عبد السلام ليتولى الدفاع عنه، وقال المحامي لوسائل الإعلام: "لقد وافقت على الدفاع عن صلاح عبد السلام طالما أنه في حاجة إلى خدماتي على وجه التحديد".
عملية جراحية لعبد السلام
بعد اعتقاله حيا، وإصابته برصاصتين في ساقه اليمنى، تم نقل صلاح عبد السلام ومعاونه أمين شكري الذي اعتقل معه مساء أول أمس الجمعة إلى مستشفى سان بيير في بروكسل، حيث خضع عبد السلام لإجراء عملية جراحية لاستخراج الرصاصتين من ساقه، وغادر المستشفى صباح أمس السبت.
قاضي التحقيقات
في حدود الثانية عشرة والنصف ظهيرة أمس، تم عرض صلاح عبد السلام على قاضي التحقيقات، الذي قرر وضعه رهن الاحتجاز، كما قام المحققون باستجواب صلاح عبد السلام، وأربعة أشخاص آخرين تم اعتقالهم معه، وهم عابد وسيان أبركان وجميلة. والشخص المعروف باسم أمين شكري أيضاً السبت أمام قاضي التحقيق.
أبريني وكيال لا يزالا هاربين
من ناحية أخرى، لا يزال هناك شخصان هاربان، يشتبه في صلتهما القوية بهجمات باريس في نونبر الماضي، وهما محمد أبريني الذي ينحدر من حي مولنبيك، وسفيان كيال الذي لا تزال هويته الحقيقية مجهولة حتى الآن.
ولد محمد أبريني في 27 ديسمبر 1984، ونشأ مع ثلاثة أشقاء وشقيقتين في مولنبيك إلى جوار أسرة عبد السلام، وكان صلاح ومحمد صديقان من فترة المراهقة، وبعد هجمات باريس أصدر القاضي الفرنسي في حقه مذكرة اعتقال يوم 24 نوفمبر، إلا أن البلجيكي ذي الأصل المغربي الذي يبلغ 31 سنة كان قد اختفى عن الأنظار منذ 12 نوفمبر، وكان معروفاً لدى الشرطة بارتكابه العديد من جرائم السرقة وحيازة المخدرات، وهو متهم بالتواطؤ في الإعداد لهجمات باريس.
أما سفيان كيال فيظل غير معروف لجهات التحقيق البلجيكية والفرنسية، لكن الشرطة رصدته يوم 9 سبتمبر الماضي وبحوزته وثائق مزورة باسم سفيان كيال على الحدود النمساوية المجرية، رفقة صلاح عبد السلام ومحمد بلقايد، الجزائري الذي قتل خلال تبادل إطلاق النار في شقة فورست الثلاثاء الماضي، ولم يثر الرجال الثلاثة الذين ادعوا أنهم يزورون فيينا لقضاء العطلة، أية شكوك حينذاك.