في الأعوام الأخيرة، شهدت إفريقيا، لا سيما غربها، موجة من السيادة الاقتصادية. تنتقد هذه الدول العقود غير المربحة لها، التي غالبا ما تُوقَّع في ظروف غامضة تسهلها أنظمة ضعيفة وحكومات غالبا فاسدة.
ويجدر بالذكر أن الانتقادات ضد الشركات متعددة الجنسيات كثيرة: دفع جزئي للضرائب والرسوم، الإعفاءات الضريبية غير المستحقة، غياب الرقابة على الكميات المستخرجة… كل هذه الملاحظات تؤدي إلى خسائر مالية كبيرة للدول الإفريقية.
Les pays d'Afrique de l'ouest souhaitent désormais mieux profiter de leurs importantes ressources aurifères. Nouveaux codes miniers plus favorables, nationalisation et renégociations des contrats signés sont engagés par les Etats.
لمواجهة هذا الوضع، اعتمدت عدة حكومات، خصوصا في غرب إفريقيا، استراتيجيات تقوم على سيادة أقوى على مواردها الطبيعية، لا سيما المعادن (ذهب، ليثيوم، يورانيوم…) والموارد الهيدروكربونية، بهدف إقامة شراكات أكثر عدالة تتيح للدول الإفريقية الاستفادة الفعلية من مواردها.
لتحقيق ذلك، اعتمدت الحكومات أساليب مختلفة، من إعادة التفاوض على العقود الموقعة مع الشركات متعددة الجنسيات، إلى التأميم، مرورا بتعديلات على قوانين الاستثمار التي كانت تصب لصالح هذه الشركات.
لكن هذه الرغبة تصطدم بطبيعة الحال بمقاومة الشركات متعددة الجنسيات التي لا ترغب في فقدان المزايا التي تمنحها لها العقود الموقعة لصالحها.
تميل هذه الشركات إلى رفض إعادة التفاوض على العقود التي حرصت مسبقا على تأمينها. ما يدفع الدول الإفريقية في كثير من الأحيان إلى اعتماد أساليب أكثر صرامة، بتغيير القوانين المعدنية بأثر رجعي، وصولا إلى تأميم المشاريع.
هذه الممارسات قد تؤدي إلى نزاعات دولية وتضر بسمعة الدول التي تعتمد الأساليب الصارمة. لذلك، يبرز الصراع بين الدول الإفريقية والشركات متعددة الجنسيات قضية هامة لمستقبل القارة: كيفية التوفيق بين السيادة، وجذب المستثمرين، وتحقيق الفائدة الحقيقية للسكان المحليين.
غياب الحلول الجاهزة، نظرا لاختلاف الأيديولوجيات والمصالح، يجعل كل دولة إفريقية تتبع أسلوبها الخاص.
مالي: الأسلوب الصارم
مالي، مثل العديد من الدول الإفريقية، ترغب في الاستفادة من مواردها الطبيعية (ذهب، ليثيوم، باوكسيت، يورانيوم…) لا سيما الذهب، حيث تحتل المرتبة الثالثة إفريقيا بعد غانا وجنوب إفريقيا. يساهم هذا المعدن الثمين بنسبة 25% من الميزانية، ويشكل 75% من عائدات التصدير، ويضيف نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، تبقى العائدات محدودة بسبب العقود السابقة التي استفادت منها الشركات متعددة الجنسيات.
في مواجهة ذلك، قررت الحكومة الحالية تعديل القانون المعدني عام 2023، لزيادة حصة الدولة المالية في شركات التعدين الوطنية والخاصة إلى 35% بدل 20% سابقا، وزيادة الضرائب المقررة. ولزيادة التأثير، طبّق القانون على المشاريع القائمة بالفعل، رغم أنه كان يُنظر إليه في البداية على أنه غير رجعي.
سمح هذا الإجراء للدولة الماليّة بزيادة حصتها في مناجم الليثيوم في بوغوني وغولامينا إلى 30%، مع 5% للمستثمرين المحليين، بعد مراجعة الاتفاقيات المعدنية. كما تم تعديل اتفاقية مشروع الذهب كوبادا عام 2024، مع تحديد رسم معدني بنسبة 5% كحد أدنى، يرتفع تدريجيًا إلى 9.5% حسب أسعار المعدن عالميا.
بعد تبني القانون الجديد، تتكوّن عائدات القطاع المعدني المالي من أرباح الدولة بنسبة 30%، وضرائب ورسوم متزايدة، ورسوم على الإنتاج بنسبة لا تقل عن 5%.
كما تم دمج القانون الجديد مع حملة تصحيح ضريبي على مناجم الذهب، ما مكّن الحكومة من جمع أكثر من 500 مليار فرنك أفريقي (846 مليون دولار) في 2024، وتستهدف 750 مليارا إضافية في 2025 من الضرائب والرسوم غير المدفوعة.
إلا أن تطبيق القانون الجديد، خصوصا بأثر رجعي، لم يُعجب قادة الشركات متعددة الجنسيات، الذين فقدوا جزءً من أرباحهم الكبيرة المستمدة من عقود صيغت في ظروف غامضة.
في مواجهة المقاومة، لجأت الحكومة المالية إلى أسلوب صارم مع بعض الشركات التي رفضت التخلي عن مزاياها، مثل Barrick Gold، التي لم توافق على الانتقال إلى القانون الجديد.
أدى النزاع إلى توقيف أربعة مسؤولين في فرع مالي، وإصدار مذكرة توقيف ضد المدير التنفيذي لشركة Barrick، ومصادرة أكثر من طن من الذهب في موقع الإنتاج. بعد ذلك، قررت الشركة تعليق الصادرات وإغلاق منجم لولو-جونكوتو، الأكبر في مالي، الذي تملكه Barrick بنسبة 80% والدولة الماليّة بنسبة 20%.
نتيجة للنزاع، قررت السلطات المالية، التي تتهم شركة Barrick بعدم دفع مئات ملايين الدولارات من الضرائب والرسوم، السيطرة على مجمع Loulo-Gounkoto للذهب، أحد أكبر مناجم الذهب في العالم، بعد قرار الشركة الكندية بالتوقف عن الإنتاج. يأتي هذا القرار في سياق محاولات الحكومة المالية حماية مصالح الدولة وضمان استفادتها الحقيقية من الموارد الطبيعية.
بالإضافة إلى ذلك، تدرس مالي استراتيجيات لتعزيز مراقبة الشركات متعددة الجنسيات على كامل سلسلة الإنتاج، بما يشمل التكرير والتصدير، لضمان الشفافية وتحصيل الإيرادات المستحقة. هذا التوجه يعكس رغبة الحكومة في وضع سيادة الدولة على رأس أولويات القطاع المعدني، مع التركيز على تحقيق المنافع المباشرة للسكان المحليين.
غرب إفريقيا: مسار متنوع للسيادة الاقتصادية
ليست مالي الدولة الوحيدة التي تتبنى أسلوبا صارما. في غرب إفريقيا، تختلف الاستراتيجيات حسب الدولة والسياق الاقتصادي والسياسي. بعض الدول تعتمد على التفاوض وإعادة صياغة العقود، في حين تفضل دول أخرى التأميم الجزئي أو الكامل للموارد الحيوية. الهدف المشترك هو تعزيز حصة الدولة وتحقيق فوائد ملموسة لسكانها من الموارد الطبيعية، بدل الاكتفاء بالعوائد المحدودة للشركات الأجنبية.
التجارب المختلفة تكشف عن تحديات كبرى: من جهة، ترغب الدول في زيادة عائداتها، ومن جهة أخرى، تواجه مقاومة قوية من الشركات متعددة الجنسيات التي تحاول الحفاظ على مزايا عقودها. هذا التوازن الدقيق يحدد مسار السيادة الاقتصادية في المنطقة، ويبرز الحاجة إلى سياسات واضحة ومتماسكة، تجمع بين حماية مصالح الدولة وجذب الاستثمارات.
التحديات والآفاق المستقبلية
تواجه الدول الإفريقية عدة تحديات، أبرزها ضمان استمرارية الاستثمار في ظل تشديد القوانين، وإيجاد آليات فعالة لتوزيع العوائد بين الدولة والشركات والمجتمعات المحلية. إضافة إلى ذلك، النزاعات القانونية المحتملة على الصعيد الدولي تمثل خطرًا على سمعة الدول وتؤثر على قدرتها على جذب مستثمرين جدد.
مع ذلك، يظل النهج نحو سيادة أكبر على الموارد خطوة استراتيجية نحو تعزيز النمو الاقتصادي المحلي، وتحقيق العدالة الاقتصادية، وتقليص الاعتماد على المستثمرين الأجانب. التجارب المختلفة، سواء في مالي أو غيرها من دول غرب إفريقيا، تعكس بداية مرحلة جديدة من السيادة الاقتصادية في القارة، حيث تصبح الموارد الطبيعية محور السياسات الوطنية والاستراتيجية الاقتصادية للدول.









