كان آبي يبلغ من العمر 52 عاماً عندما أصبح رئيساً للوزراء للمرة الأولى في 2006، وبات بذلك أصغر رئيس حكومة سناً في تاريخ البلاد. وكان يُنظر إليه على أنه رمز للتغيير والشباب، ولكنه مثّل أيضاً الجيل الثالث من سياسيين ينتمون إلى عائلة محافظة من النخبة.
ويعدّ آبي أوّل رئيس وزراء مولود بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) وانتهاء الاحتلال الأميركي للبلاد آنذاك، وذلك في 21 سبتمبر عام 1954. وهو يتحدّر من عائلة سياسية عريقة في اليابان، ولها محطات سياسية مهمة، ومنها مع رئاسة الوزراء. فهو ابن شينتارو آبي، وزير الخارجية السابق الذي تولّى المنصب بين عامي 1982 و1986، وهو أيضاً حفيد السياسي والبرلماني البارز كان آبي. كما أنّ جدّه لأمه، نوبوسوك كيشي، كان رئيساً للوزراء في اليابان من عام 1957 إلى عام 1960. كما شغل إيساكو ساتو، عم والدة آبي (يوكو كيشي)، منصب رئيس الوزراء أيضاً من عام 1964 إلى عام 1972.
وبدأت حياة آبي السياسية فعلياً في عام 1982، عندما شغل بعض المناصب بينها مساعد لوزير الخارجية، فضلاً عن مناصب أخرى في الحزب الليبرالي الديمقراطي. وفي عام 1993، انتخب نائباً في البرلمان، وذلك بعد وفاة والده عام 1991. وفي عام 2003، عيّن أميناً عاماً للحزب الديمقراطي الليبرالي.
ويبدو أنّ شهر سبتمبر كان مفصلياً بالنسبة إلى آبي، في أهمّ محطات مسيرة حياته السياسية. ففي 20 سبتمبر 2006، انتخب رئيساً للحزب. وبعد ستة أيام اختير رئيساً للوزراء عندما كان يبلغ من العمر 52 عاماً، ليصبح أصغر مَن يحتل المنصب منذ الأمير فوميمارو كونويه عام 1941.
إلا أنّ آبي اضطر في الشهر نفسه (سبتمبر) من عام 2007، إلى الاستقالة من منصب رئاسة الوزراء بعد قضائه سنة فيه، وذلك لأسباب صحية وتفرّغه للعلاج، فضلاً عن التدني الكبير في شعبية حكومته، وتعرّض حزبه لنكسة كبيرة في انتخابات المجلس الأعلى (مجلس المستشارين) في البرلمان، حيث فقد غالبيته للمرّة الأولى منذ 52 سنة.
وبعدما اعتقد الكثير من المراقبين أنّ ما حصل مع آبي يمكن أن يكون بمثابة نهاية لمسيرته السياسية، استعاد الرجل في شهر سبتمبر أيضاً من عام 2012 منصب رئيس الوزراء بعد الانتصار الكاسح لحزبه في الانتخابات العامة، وبعدما كان عاد إلى زعامة حزبه متغلباً على شيغيرو إيشيبا وقتها أيضاً.
وصار آبي بذلك أوّل رئيس وزراء بعد الحرب العالمية الثانية، يعود إلى منصب رئيس الوزراء بعد أن يغادره. إنجاز حققه قبله رئيس الوزراء شيغيرو يوشيدا عام 1948. وبعد ذلك، أعيد انتخاب آبي رئيساً للوزراء للمرة الثالثة، في الانتخابات العامة التي أجريت عام 2014.
وولايته الثانية التي بات فيها رئيس الوزراء الذي بقي في المنصب أطول مدة في تاريخ اليابان، هيمنت عليها في الداخل استراتيجيته الاقتصادية التي أطلق عليها "آبينوميكس"، وتجمع بين زيادة الميزانيات والليونة النقدية والإصلاحات الهيكلية. وسعى أيضاً إلى زيادة معدل الولادات، بجعل أماكن العمل أكثر مراعاة للآباء وخصوصاً للأمهات.
كذلك، عمل على فرض ضريبة استهلاك مثيرة للجدل في 2019، تهدف للمساعدة في تمويل أماكن في دور الحضانة، للأطفال بعمر الثلاث سنوات وما دون، وكذلك للمساهمة في نظام الضمان الاجتماعي الذي تجاوز طاقته. لكن اقتصاد اليابان بدأ بالتراجع حتى قبل أزمة فيروس كورونا، التي قضت على المكاسب المتبقية. واعتُبرت طريقة تعاطيه مع الأزمة بطيئة ومربكة، ما أدى إلى تراجع نسبة التأييد له إلى أدنى المستويات خلال فترة حكمه.
وكان من المقرر أن يبقى في المنصب حتى سبتمبر 2020، ما يسمح له بحضور مناسبة مهمة في ولايته التاريخية هي أولمبياد طوكيو 2020 الذي تم إرجاؤه 2021، لكن يبدو أن مشاكله الصحية تمكنت منه مجدداً، وأعلن في 2020 استقالته بسبب المرض.
© Copyright : DR
عواصف سياسية
على المسرح الدولي، اتخذ موقفاً حازماً من كوريا الشمالية، لكنه سعى ليكون صانع سلام بين الولايات المتحدة وإيران. وجعل من أولوياته بناء علاقة شخصية وثيقة مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، سعياً للحفاظ على أهم تحالفات اليابان، رغم شعار "أميركا أولاً" الذي كان يرفعه الرئيس الأميركي السابق، وحاول إصلاح العلاقات مع روسيا والصين. لكن هنا أيضاً لا يخلو الأمر من تضارب. فقد بقي ترامب مصمماً على إجبار اليابان على دفع مبلغ أكبر للقوات الأمريكية المنتشرة على أراضيها.
وأخفقت طوكيو في تحقيق تقدم في حل قضية الجزر الشمالية المتنازع عليها مع روسيا، فيما فشلت خطة لدعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة رسمية، وسط تصاعد مشاعر الاستياء الداخلي تجاه بكين.
وخلال ولايته، تصدى آبي لفضائح سياسية، ومن بينها اتهامات بالمحسوبية أدت إلى تراجع نسبة التأييد له، لكنها لم تتمكن من المسّ بسلطته، لأسباب منها ضعف المعارضة السياسية في اليابان.
ولم يقم آبي بتكرار زيارة مثيرة للجدل عام 2013 إلى نصب لضحايا الحرب أثارت استياء واسعاً في المنطقة وانتقادات الولايات المتحدة، وتمسك بنهج متشدد تجاه كوريا الجنوبية بشأن خلافات مستمرة من فترة الحرب، وواصل الدفع بخطط لتعديل الدستور السلمي لليابان.