خلال لقاء مع صحفيين جزائريين بث ليلة الأحد 4 أبريل 2021 على التلفزيون العمومي، لم يتطرق الرئيس الجزائري إلى أي من الموضوعات التي تهم الجزائريين. لم ينبس ببنت شفة عن الحراك، ولا عن مطالب ملايين الجزائريين الذين يتظاهرون في جميع المدن تقريبا كل يوم جمعة، ولا عن القمع البوليسي الذي تتصدر فضائحه عناوين الصحف في الجزائر، ولا سيما قضية القاصر سعيد شتوان، البالغ من العمر 15 عاما، والذي تعرض لاعتداء جنسي يوم السبت الماضي في مركز للشرطة، ولكن "بالدفع من الوراء بواسطة جهاز لا سلكي"، بحسب التبرير الغريب للنائب العام...
خلال تلك الدقائق السبعين، تحدث تبون وكأنه يعيش في بلد آخر. إن عدم قول كلمة واحدة عن الحراك ومئات الآلاف من الأشخاص الذين يصفون الرئيس بأنه "مغتصب" و"غير شرعي" ويدعون إلى إقامة "دولة مدنية لا عسكرية" يعطي إشارة إلى فشل النظام الجزائري الذي ليس لديه إلا اتباع سياسة الهروب إلى الأمام.
موقف تبون ينضاف إلى المقاطعة المقصودة للحراك من قبل جميع وسائل الإعلام الجزائرية العمومية التي لم تقل كلمة واحدة عن مظاهرات الشعب التي تقام كل ثلاثاء بالنسبة للطلبة (والتي يشارك بشكل متزايد المواطنون)، وكل يوم جمعة عندما يتظاهر ملايين الجزائريين في كل مدن البلاد تقريبا.
الصحفيان اللذين كلفا باستجواب عبد المجيد تبون يعيشان أيضا في بلد آخر. كما أنهما لم يسألا سؤالا واحدا عن الحراك. وهذا يشير إلى أن هذين الصحفيين المتملقين طلب منهما من قبل محيط الرئيس الجزائري تجنب إثارة هذا الموضوع.
بصرف النظر عن تراجع السلطة عن التهديد بسحب الجنسية الجزائرية عن المعارضين الجزائريين في المنفى، أو قرار الإبقاء بأي ثمن على الانتخابات التشريعية والمحلية المقبلة في يونيو 2021، ثم نتائجها بغض النظر عن نسبة المشاركة، انخرط عبد المجيد تبون مرة أخرى في خطاب التباهي والتبجح.
وهكذا، من خلال حديثه عن إنشاء ولايات جديدة، لم يتردد في التأكيد على أن الجزائر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمكنت من ضمان التنمية الجهوية في جميع أنحاء أراضيها الشاسعة، وهو ما عجزت عنه الدول الأخرى الأكثر ثراء. كما أكد بأن الجزائر محسودة من قبل دول المنطقة، لأن هذه الأخيرة لا تملك... مدرب كرة قدم من عيار جمال بلماضي، الذي قال بأنه استقبله مؤخرا!
بالنسبة لرئيس فاقد للشرعية، فإن التهرب من مواجهة المشاكل الحقيقية والخوض في أمور أخرى، ليس مفاجأة، خاصة وأن محاوريه ساهموا معه في هذه اللعبة مثل صحفية جريدة "الشروق" التي أثارت موضوع الصحراء بالحديث عما تسميه "النقاط الإيجابية التي حققتها الدبلوماسية الجزائرية مؤخرا" في الاتحاد الإفريقي. في إشارة إلى المناورة البئيسة التي قام بها إسماعيل شرقي، الرئيس السابق لمفوضية السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي، الذي أعد قمة مصغرة لأربعة رؤساء دول من بينهم تبون، حيث تم التطرق إلى قضية الصحراء في خرق سافر للأعراف وقوانين المنظمة الإفريقية.
مرة أخرى يسقط الرئيس الجزائري في فخ التكرار والتناقضات. وهكذا، بعدما أعلن أن "الجزائر التي ترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية، وترفض أيضا مناقشة القضايا الداخلية للدول الأخرى"، ستستمر في المطالبة، على حد قوله، بأن تتكفل لجنة السلم والأمن التابعة للاتحاد الإفريقي بالنظر في قضية الصحراء. تصريح يشكل أيضا انتهاكا صارخا للقرار 693 الصادر عن قمة الاتحاد الإفريقي التي انعقدت سنة 2018، وهو القرار الذي أكد أن مشاركة المنظمة الأفريقية في قضية الصحراء ستتم فقط من الرأي الاستشاري للترويكا المكونة من ثلاثة رؤساء دول إفريقية، في حين تبقى منظمة الأمم المتحدة هي المعنية حصريا بالنظر في النزاع المفتعل.
ثم أعاد تبون ترديد نفس الأسطوانة المشروخة الموروثة عن عهد هواري بومدين، حول "قضية إنهاء الاستعمار"، طالبا "ترك الطريق للأمم المتحدة لتسوية هذا الصراع". الأمم المتحدة أم الاتحاد الإفريقي؟ تبون لا يعرف على أي قدم يرقص. بعد أن أوضح مدى كراهيته للمغرب والمغاربة، الذين يعتبرون الوحدة الترابية للمملكة قضية مقدسة، يؤكد تبون أنه ليس لديه "عداء" تجاه المغرب، "لأن المغاربة والصحراويين إخواننا ونتمنى حلا مرضيا للطرفين".
قبل أن يعتني بإخوانه المغاربة والصحراويين، يتعين على الرئيس تبون أن يقلق على إخوانه الجزائريين الذين يخرجون بالملايين كل أسبوع رافعين شعارات من قبيل "تبون مزور، جابوه العسكر" أو "لا انتخابات مع العصابات".
مع وسائل الإعلام المتملقة، يشبه عبد المجيد تبون قائد أوركسترا تيتانيك الذي لم يحرك عصاه لتنبيه الموسيقيين الذين يعزفون على نحو غير متناغم، في الوقت الذي تغرق فيه السفينة.