لا شيء يبدو أنه قادر على إيقاف الحراك الشعبي في الجزائر. ففي الجمعة الثانية من استئنافه، بعد انقطاع طويل فرضته جائحة كوفيد-19، أثبتت الاحتجاجات الشعبية أن جدوتها لم تخب، في مواجهة نظام يطالب الحراك برحيله.
وعلى الرغم من الإنزال الأمني المكثف، بدأ متظاهرو الحراك، في وقت مبكر من يوم الجمعة 5 مارس 2021، في التجمهر في الأماكن المعتادة للتظاهرات في جميع المدن الكبرى تقريبا في البلاد: الجزائر العاصمة ووهران وتيزي وزو والبويرة وبجاية وقسنطينة وعنابة...
وردت السلطة، التي فوجئت بهذه التعبئة غير المسبوقة، بأمر شركات الاتصالات الثلاث في الجزائر بقطع الاتصال بالإنترنت على الفور في المدن الرئيسية بالبلاد، بما في ذلك الجزائر العاصمة. وهذا الإجراء هو محاولة لمنع الصحفيين والمتظاهرين أنفسهم من نشر مقاطع فيديو خاصة بالأحداث على وسائل التواصل الاجتماعي.
في الجزائر العاصمة، التي أصبحت بؤرة الحراك الحقيقية، تجمهر مئات الآلاف من المتظاهرين في الشوارع الرئيسية للعاصمة في بداية فترة ما بعد الظهر. ورددوا نفس الشعارات التي تندد بالسلطة القائمة: "دولة مدنية، ماشي عسكرية"، و"الاستقلال، الاستقلال!"، و"لبلاد بلادنا، ونديرو رأينا" (البلاد بلادنا، ورأينا هو الذي يجب أن يسود)، أو حتى هذا الشعار الجديد الذي يندد بآخر اكتشافات النظام المتداعي: "هادي دولة إرهابية، نحاو لينا الجنسية" (هذه دولة إرهابية تريد أن تنزع عنا الجنسية).
في يوم الجمعة الـ107 من الحراك، كانت بجاية هي أول مدينة جزائرية يخرج فيها المتظاهرون منذ الساعة 11 صباحا بتوقيت جرينتش (12 ظهرا بالتوقيت المحلي). وقبل انطلاق المسيرة، رفع المتظاهرون وهم يلوحون بالأعلام الجزائرية شعارات من قبيل "سئمنا من الجنرالات"، فيما رفعت لافتات أخرى معارضة للسلطة القائمة.
بعد بحاية، خرج المتظاهرون في ولاية تيزي وزو بعد بضع دقائق. تجمعت أمواج بشرية ملوحة بالعلم الأمازيغي في المكان المعتاد الذي تنطلق منه المسيرات. واضطرت قوات الأمن أمام الأعداد الكبيرة من المتظاهرين إلى التراجع والانسحاب.
وفي البويرة ردد آلاف المتظاهرين بشكل خاص شعار-من بين شعارات أخرى مناهضة للنظام- "الجنرالات إلى المزبلة والجزائر ستحقق استقلالها".
تبدو هذه التعبئة الكبيرة خلال يوم الجمعة الـ107 وكأنها رد فعل قاس على السلطة التي قامت بكل المحاولات في الأيام الأخيرة لتشويه سمعة الحراك.
وفي الوقت الذي أكد فيه الرئيس عبد المجيد تبون، الاثنين الماضي، في مقابلة تلفزيونية، أن جميع مطالب الحراك تحققت تقريبا، رد الشارع عليه بوضوح اليوم بأنه يجب أن يذهب هو ومن أوصله إلى السلطة "إلى المزبلة".
كما أن محاولة وزارة الدفاع الوطني لترهيب المتظاهرين بالإعلان، يوم الأربعاء الماضي، عن اكتشاف قنبلة محلية الصنع كانت ستستخدم لتنفيذ هجوم في الجزائر العاصمة، لم تؤد إلا إلى تقوية عزيمة مناضلي الحراك.
حتى حكومة عبد العزيز جراد قامت بتهديد المعارضين الجزائريين بسحب الجنسية عنهم. ومن هنا جاء الشعار الذي رفع يوم 5 مارس بالجزائر العاصمة: "هادي دولة إرهابية تريد أن تنزع عنا الجنسية".
كل محاولات النظام لمنع الحراك باءت بالفشل. ومع مظاهرات الجمعة الثانية بعد عودة الحراك، أصبح الضغط لا يطاق على عبد المجيد تبون. إنه يعلم أنه ستتم التضحية به قريبا من قبل الجنرالات الذين يفتقدون إلى أفكار للإفلات بجلدهم.