بسبب افتقاده للأفكار.. النظام الجزائري يشهر فزاعة الإسلاموية لتشويه صورة الحراك

DR

في 01/03/2021 على الساعة 16:13

خوفا من استئناف الحراك، الذي أظهر خلال ثلاث مرات في أسبوع واحد عزمه على إلقاء "الجنرالات إلى سلة المهملات"، شن النظام الجزائري هجمات مضادة بنشر دعاية خبيثة. فهو يحاول من جديد أن يشهر فزّاعة الإسلاموية والعشرية السوداء في التسعينيات.

إلى أين تتجه الجزائر؟ السؤال يستحق أن يطرح أكثر من أي وقت مضى، في مواجهة الحراك الذي أظهر قوته في الشارع وهو ما أثار هلعا على جميع المستويات في النظام الجزائري. مع المظاهرات الحاشدة في 19 و22 و26 فبراير، أظهر الحراك بوضوح عزمه على المضي قدما من أجل تحقيق هدفه الرئيسي: إقامة دولة مدنية وديمقراطية يعود فيها الجيش إلى دوره الطبيعي في الدفاع عن حدود البلاد.

في مواجهة شعب ينادي بكل قوة بـ"إلقاء الجنرالات إلى سلة المهملات"، يرد هؤلاء بتحديث "سيناريو عام 1991"، سيناريو العشرية السوداء، في محاولة يائسة لتشويه سمعة الحراك بترويج حجة غريبة مفادها بأن الإسلاميون هم الذين يحركون خيوط الحراك.

ومن أجل ذلك، تعمل القيادة العسكرية المتنفذة على إثارة احتمال حدوث حمام دم جديد في البلاد، من خلال نشر، عبر وسائل الإعلام العمومية وباقي الأبواق الدعائية التابعة، دعاية خبيثة تحاول الادعاء بوجود روابط وثيقة بين الحراك والإرهاب. وبالتالي فإن إعادة إنتاج العقد الأسود أصبح وشيكا، وفقا للتوجيهات التي تقدم هنا وهناك، لوقف الحراك الشعبي الجامح.

يوم الجمعة الماضي، خلال تغطية إعلامية للاحتجاجات في العاصمة الجزائرية، لم يتردد معلق التلفزيون الحكومي في المقارنة بين الحراك والعقد الأسود.

وأكدت بأن المتظاهرين "تضاعفوا بعد صلاة الجمعة مباشرة للتجمع في ساحة البريد المركزي وشارع مراد ديدوش بوسط الجزائر العاصمة، في حين ردد الكثير منهم شعارات تذكر بشعارات أوائل التسعينيات، مما أدى إلى وفاة 200 ألف جزائري".

ومع ذلك، أي من الشعارات التي رددها ناشطو الحراك لا علاقة لها، لا من قريب أو لا بعيد، بشعارات الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي رفعتها بعد الانقلاب العسكري ضد العملية الانتخابية في الجزائر في عام 1991. في ذلك الوقت، لم ترفع الشعارات التي يرفعها المتظاهرون اليوم وهو شعار "دولة مدنية ماشي عسكرية"، أو شعار "الجنرالات إلى سلة المهملات"، أو شعار "سئمنا، سئمنا، سئمنا من الجنرالات" أو حتى شعار "تبون المغتصب وضعه الجيش". في الحقيقة، نفس الشعارات التي كانت تستهدف الجنرالات رددت خلال الحراك الأول، قبل الأزمة الصحية.

هذا الربط الخبيث بين الاحتجاج الشعبي والإسلاموية لم يؤد إلى إثارة غضب غالبية الجزائريين الذين استنكروا ذلك على نطاق واسع على الشبكات الاجتماعية فحسب، بل أثار أيضا غضب بعض الأحزاب السياسية الجزائرية.

فقد احتج حزب العمال بزعامة لويزة حنون، يوم الأحد 28 فبراير، بشدة على ما وصفه بـ"الدعاية الإعلامية البشعة للسلطة ضد الحراك". وبحسب لويزة حنون، فإن "السلطة القائمة تستخدم دعاية بشعة لم يسبق لها مثيل حتى أيام الحزب الواحد في أوج قوته ..."، منددة باستغلال الدين لأغراض "مناورات خطيرة تفتح الطريق إلى الانزلاقات الخطيرة". حتى أن بعض وسائل الإعلام ذهبت إلى حد اتهام حركة "رشاد" المعارضة، التي يعيش معظم قادتها في المنفى، بأنها الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجديدة التي تتسلل إلى الحراك وتهاجم الأئمة الموالين للنظام، مثل الشخص الذي طرد يوم الجمعة الماضي من قبل المصلين في مسجد باب الواد.

ومع ذلك، أظهر الحراك، منذ انطلاقه، طابعه السلمي، محاولا تجنب سيناريو إعادة إنتاج العشرية السوداء (1991-2002)، حيث تبين لاحقا أن الجنرالات الجزائريين، ولا سيما الثلاثي خالد نزار ومحمد مدين المعروف باسم توفيق ومحمد العماري (توفي عام 2012)، هم من كانوا وراء مجازر تلك العشرية السوداء.

كان ناشطو الحراك يدركون جيدا أن النظام سيعمل على تشويه مصداقية الحراك وإلصاق كل التهم والشرور به، ولذلك حاولوا حماية أنفسهم من دعاية النظام المغرضة من خلال رفع الشعار الأول الذي ظل دائما يرفع في تظاهرات الحراك: "سلمية، سلمية".

وهذا لم يمنع أبواق الدعاية التابعة للنظام العسكري من التأكد على أن ما يحدث اليوم في الجزائر مع الحراك يشبه إلى حد ما الأجواء التي سادت عام 1991 مع إسلاميي الجبهة الإسلامية للإنقاذ. من أجل إضفاء الشرعية على الاستقالة القسرية الحتمية لعبد المجيد تبون، تقارن الأبواق الإعلامية للجنرالات بين الرئيس الحالي والراحل الشاذلي بن جديد، خليفة هواري بومدين، الذي "استقال" بضغط من الجنرالات في يناير 1992، بعد 18 عاما في السلطة. خاصة وأن عبد المجيد تبون تم انتخابه بفضل اللواء أحمد قايد صالح، الذي تم تهميش جميع المقربين منه من قبل طغمة الجنرالات الحاكمة حاليا في الجزائر.

ودائما في نفس إطار الحملة الإعلامية الممنهجة الهادفة إلى تشويه سمعة الحراك، أطلقت صحيفة "المجاهد" اليومية هجوما ضد الشعار المهم للحراكيين. ومن أجل ذلك، أشارت برافدا الجزائرية إلى تدوينة لسمير بوعكوير، الذي قدم كمستشار للرئيس الحالي لجبهة القوى الاشتراكية، الحزب التاريخي المعارض للنظام العسكري في الجزائر والذي أنشأه الزعيم التاريخي الراحل الحسين آيت أحمد.

فقد كتب مستشار جبهة القوى الاشتراكية أن "دولة مدنية ماشي عسكرية" ليست من إلهام حزب الحسين أيت أحمد، لكن "الاحتيال الأكبر يكمن في ربط (من قبل الحراك) بقرارات مؤتمر جبهة القوى الاشتراكية، أي أسبقية السياسة على العسكري".

ومع ذلك، وبحسب صحيفة المجاهد، فإن أيديولوجية جبهة القوى الاشتراكية "لا تفترض بأي حال من الأحوال فصل الجيش عن عملية صنع القرار السياسي"، وهي بكل تأكيد كذبة أخرى، ولكن هذا على الأقل له ميزة وهو القول بشكل قاطع بأن السلطة في الجزائر يجب أن تبقى في أيدي الجيش.

إن إعادة التلويح بفزاعة العقد الأسود والتهديد الإسلامي يثبتان جمود نظام يفتقد للأفكار. ولتشويه سمعة الحراك، يحاول هذا النظام تطبيق وصفة يعود تاريخها إلى 30 عاما. وهذا يقدم دليلا آخر على عدم كفاءة الحكام المسنين المتمسكين بالسلطة. إنهم لا يشكون حتى في عدم فعالية، إن لم نقال سخافة، وصفتهم. فعشية الاحتفال بذكرى الحراك الثانية، حاول النظام تخويف المتظاهرين من خلال إظهار "إرهابي تائب" يدعى أبو دحدح على شاشة التلفاز.

أثارت شهادة أبو دحدح المضحكة ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد ضاعف الجزائريون من قدراتهم الإبداعية في السخرية من عدم كفاءة النظام الحاكم.

من المرجح أن يفعل الحراك نفس الشيء مع الفزاعة الإسلاموية كما فعل شهادة أبي دحدح. وقد أظهر الحراك أن هناك قطيعة جذرية بين شباب ديناميكيين يتطلعون إلى المستقبل وسلطة متحجرة تفكر بمنطق يعود إلى ما قبل سقوط جدار برلين. يبقى أن نرى إلى أي مدى يمكن للجيش أن يذهب للبقاء في السلطة. يظهر تهديد العقد الأسود أن الجنرالات الجزائريين لا يستبعدون فرضية حمام الدم.

تحرير من طرف محمد ولد البواه
في 01/03/2021 على الساعة 16:13