الجزائر: دعوات لمحاسبة الجنرالات المتورطين في اغتيال محمد بوضياف

الرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف

الرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف . DR

في 20/01/2021 على الساعة 12:00

لم تمر ذكرى عودة محمد بوضياف إلى الجزائر في 16 يناير 1992 مرور الكرام. خاصة بالنسبة للجنرالات الجزائريين الذين أعطوا الأوامر باغتياله يوم 29 يونيو 1992. ومن بينهم جنرالان مازالا على قيد الحياة، ويتعلق الأمر بكل من خالد نزار و"توفيق".

عاد حادث الاغتيال المفجع لمحمد بوضياف إلى الواجهة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الخاصة بمعارضي النظام في الجزائر، وذلك بمناسبة الذكرى الثامنة والعشرين لعودته إلى الجزائر، في 16 يناير 1992. قتل يوم 29 يونيو 1992 بوابل من الرصاص على الهواء مباشرة على شاشات التلفزيون الجزائري بينما كان يلقي خطابا في عنابة من قبل ملازم ثان يدعى مبارك بومعرفي، وهو حارس شخصي مزعوم كان من المفترض أن يحميه. ملف اغتيال محمد بوضياف ترك ملفا لم يغلق أبدا حيث أن الذين أصدروا الأوامر باغتياله مازالوا يتحكمون في زمام السلطة في الجزائر.

وهكذا، بمناسبة يوم 16 يناير، لم يتوان الجزائريون في توجيه أصابع الاتهام مرة أخرى إلى الثنائي خالد نزار ومحمد مدين الملقب بـ"توفيق". اتهام يأخذ معنى خاصا في هذه الظروف التي تمر بها الجزائر، خاصة إذا علمنا أن هذين الجنرالين، أحدهما كان مسجونا (توفيق) والآخر كان مطاردا (خالد نزار)، عادا إلى الواجهة من خلال إلغاء جميع الأحكام الصادرة في حقهما خلال الأشهر الأخيرة من قبل المحاكم العسكرية والمدنية بالجزائر.

"لي جابوه هما لي قتلوه"، هذه الكلمات التي رددتها الجماهير في يوليو 1992 والتي سماعها عبر التلفزيون الجزائري الذي بث حينها على الهواء مباشرة جنازة محمد بوضياف، ما زالت تتردد في الجزائر. لأن محمد بوضياف لم يكن شخصا عاديا.

كان محمد بوضياف، الذي سجنته فرنسا عام 1958 مع رابح بيطاط وأحمد بن بلة والحسين آيت أحمد، أحد القادة التاريخيين الأربعة المعروفين باسم "وزراء الدولة" في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. على الرغم من أنه كان من المتوقع أن يصبح أول رئيس للجزائر المستقلة عام 1962، إلا أن الخصومات السياسية دفعته إلى السجن عام 1963، ثم ترحيله إلى صحراء أدرار في ظل الحكومة الجزائرية الأولى. من عام 1964 إلى عام 1992، عاش في المنفى بالمغرب في مدينة القنيطرة.

عاد يوم 16 يناير 1992، بعد عدة مفاوضات، عاد إلى الجزائر حيث تم استدعاؤه، بحكم شرعيته التاريخية، لكي يصبح رئيسا للدولة. هذا المنصب الذي رفضه رفيقه في النضال الذي بقي في الجزائر، ويتعلق الأمر بالحسين آيت أحمد، وهو رجل مكروه من قبل الجيش الذي لطالما انتقد سطوته واستحواذه على السلطة السياسية في الجزائر والاستيلاء على عائدات النفط والغاز.

وبعدما تبين أن آراءه مشابهة لآراء زعيم جبهة القوى الاشتراكية (الحسين آيت أحمد)، لأنه بقي مخلصا لمبادئه، تمت تصفية محمد بوضياف يوم 29 يونيو 1992، بعد أقل من ستة أشهر من عودته. ثم دخلت الجزائر في دوامة عنف بدأتها في جزء كبير منها "أجهزة" النظام نفسها التي قتلت بوضياف. وهذا ما يعرف في تاريخ الجزائر بـ"العشرية السوداء" والتي أودت بحياة 200 ألف جزائري.

وبحسب مراقبين جزائريين، فإن قرار اغتيال بوضياف اتخذ بعد طرد الجنرال محمد العماري من رئاسة الجمهورية من قبل محمد بوضياف. في الواقع، كان العماري، مثل خالد نزار والعربي بلخير، يعانون من "عقدة العريفين"، لأنهم خدموا، مثل جنرالات حاليين، في الجيش الفرنسي وقاتلوا مواطنيهم. بوضياف، من خلال إثارة هذا "العيب"، كان سيأمر بالإفراج عن العديد من سجناء الرأي ويطالب بتجميد العلاقات مع البوليساريو ويفتح بعض ملفات الفساد الكبير الذي ينخر النظام...

بعدما وجدوا أنفسهم في وضعية حرجة، فإن الجنرالات، حوالي عشرة في ذلك الوقت، سيعمدون إلى استغلال شبكة المافيا وتحويلها إلى نظام للحكم. فباغتيالهم لبوضياف، فإن هؤلاء الطغمة من الجنرالات، المعروفة باسم "العلبة السوداء"، بعثت برسالة واضحة تهدف إلى ترويع الطبقة السياسية الجزائرية بأكملها. من يريد توجيه الاتهام إلى مؤسسة الجيش القوية واستحواذها على السلطة في البلاد سيلقى نفس مصير الرئيس بوضياف.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو أن اثنين من مدبري عملية اغتيال الرئيس بوضياف ليسا على قيد الحياة فقط، بل أعيد الاعتبار لهما بعدما كان رئيس الأركان السابق، أحمد قايد صالح، قد مرغمهما في الوحل.. وهما خالد نزار ومحمد مدين.

ناصر بوضياف، نجل الرئيس المغتال، يريد الكشف عن حيثيات اغتيال والده والذين أمروا بذلك. وبعدما كشفت صحفية جزائرية في غشت 2020 أن العديد من رؤساء المنابر الصحفية كانوا على علم بوجود مخطط لاغتيال الرئيس بوضياف، طلب ناصر بوضياف من عبد المجيد تبون إعادة فتح القضية. هذا الطلب ظل حبرا على ورق، لأن الرئيس بكل بساطة هو تحت رحمة الجيش الجزائري.

مع الدعوات الملحة المتزايدة من المدونين والمعارضين الجزائريين لمحاكمة مدبري عملية اغتيال بوضياف، نزار و"توفيق"، كل الأنظار الآن على الرجل الذي يزعم أنه قتل الرئيس: مبارك بومعرفي، المعتقل في سجن القليعة. قاتل بوضياف المزعوم سيكون في خطر. لن يرغب الثنائي نزار-"توفيق" على وجه الخصوص في إعادة فتح هذه الصفحة المظلمة في تاريخ الجزائر، أو حتى أن يقوم شاهد محظوظ بالتحدث. ولكن بالنظر إلى عمليات التطهير والتغييرات في هرم السلطة في الجزائر، يمكن أن نرى نزار و"توفيق" متابعان في هذا الملف.

تحرير من طرف محمد ولد البواه
في 20/01/2021 على الساعة 12:00