كما قد أشرنا في مقال نشر نهاية الأسبوع الماضي إلى أن إقالة مدير المديرية العامة للأمن الداخلي (جهاز مكافحة التجسس الجزائرية)، اللواء واسيني بوعزة، هو أمر حتمي ووشيك.
فيوم الثلاثاء الماضي، تم تنصيب الجنرال عبد الغني راشدي من طرف نائب وزير الدفاع، السعيد شنقريحة، في منصب نائب المدير العام للمديرية العامة للأمن الداخلي، خلال حفل نظم بوزارة الدفاع بدون استدعاء واسيني بوعزة. وفي اليوم الموالي، أي يوم الأربعاء 8 أبريل، وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مرسوم تعيين راشدي نائبا لواسيني بوعزة، ولكن منحه "سلطات واسعة".
مصير واسيني بوعزة الذي كان اليد اليمنى للرئيس السابق لأركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، قد حسم من طرف الرئيس تبون الذي لم يغفر له قيامه بحملة مضادة له خلال الانتخابات الرئاسية في نهاية دجنبر الماضي، لصالح عز الدين مهيوبي، مرشح التجمع الوطني الديمقراطي.
وقد استغل هذا العداء من قبل قائد الجيش الحالي، السعيد شنقريحة، بهدف تعزيز سلطته باعتباره الرجل القوي الجديد للبلاد. لتحقيق ذلك، يقوم بحملة تطهير واسعة داخل الجيش، لا سيما على مستوى مراكز المسؤولية، أي الفروع المختلفة للأجهزة السرية، التي تشكلت بعد تفكيك الجهاز القوي السابق الذي كان يعرف باسم دائرة الاستعلام والأمن.
يوم أمس الاثنين 13 أبريل، نظم السعيد بنشقريحة حفل تنصيب آخر لراشدي الذي أصبح، في أقل من سبعة أيام، نائبا لمدير مديرية الأمن الداخلي، ثم مديرا لهذه المديرية بالنيابة. وحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، فإن شنقريحة أكد خلال هذا الحفل قائلا: "باسم السيد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، أنصب رسميا العميد عبد الغني راشدي، مديرا عاما للأمن الداخلي بالنيابة، خلفا للعميد واسيني بوعزة. وعليه فإني أمركم جميعا، بالعمل تحت سلطته، وطاعة أوامره، وتنفيذ تعليماته، بما يمليه صالح الخدمة، تجسيدا للقواعد والنظم العسكرية السارية، وقوانين الجمهورية، ووفاء لتضحيات شهدائنا الأبرار وتخليدا لقيم ثورتنا المجيدة".
ومن خلال إلقاء نظرة على الصحافة الجزائرية لتكوين رؤية أكثر وضوحا بخصوص هذه الواقعة ويمكننا تصنيف التعاطي معها في هذه الصحافة إلى ثلاثة اتجاهات.
الاتجاه الأول تمثله الصحف المقربة أو تأتمر بأوامر الجيش. هذه الصحف اكتفت بمعالجة رسمية لخبر تعويض واسيني بوعزة، دون أن تعلق عليه.
والاتجاه الثاني تمثله وسائل الإعلام المقربة من خالد نزار، وهو جنرال متقاعد ورئيس أركان الجيش الجزائري السابق المنفي حاليا في إسبانيا، والذي كان معارضا شرسا لقايد أحمد صالح. هذه الصحف رحبت لأول مرة باعتقال واسيني بوعزة: "تبون وشنقريحة خلصا الجيش الوطني الجزائري من جنرال عاجز ومتآمر".
وفي مقال آخر لنفس الوسيلة الإعلامية، قيل بأن واسيني فر بعد تبين ضلوعه في عملية فرار غيرنيط بنويرة وهو ضابط كبير كان يشغل السكرتير الخاص القوي السابق لأحمد قايد صالح، ويقال بأنه عهد إليه بالعديد من الملفات السرية.
وسائل الإعلام المقربة من خالد نزار تفسر اعتقال واسيني بوعزة بتواطؤه مع السكرتير الخاص السابق لأحمد قايد صالح، الذي هرب إلى الإمارات العربية المتحدة وهو يحمل منه ملفات مهمة للغاية.
وتذكر وسائل الإعلام أن "غرنيط بنويرة سرق وثائق سرية من خزينة رئيس الأركان السابق وأخذها معه في هروبه للخارج بفضل واسيني بوعزة الذي ساعده بالسماح له بركوب في رحلة إلى دبي يوم 5 مارس. وعليه الآن أن يفسر فعله هذا الذي يندرج تحت الخيانة العظمى". وبالنظر إلى علاقات الجنرال نزار المتعددة بالجيش الجزائري، فإن فضيحة الدولة المرتبطة بهروب العلبة السوداء لقايد أحمد صالح إلى الإمارات هي مقدمة لحملة تطهير واسعة داخل المؤسسة العسكرية.
وأخيرا هناك الفئة الثالثة من وسائل الإعلام الجزائرية التي تسهب في وصف ما حدث استنادا إلى الشهادات. وبحسب موقع dzvid.com، فإن "الجنرال واسيني بوعزة، الذي اعتقل صباح اليوم من قبل أفراد المديرية المركزية لأمن الجيش، يخضع حاليا للتحقيق في ثكنة بن عكنون، في مكاتب هذه المديرية".
ويستند هذا الموقع إلى شهادة الصحفي محمد سيفاوي الذي يضيف أن واسيني بوعزة متهم "بوضع نظام تنصت على كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، بمن فيهم عبد المجيد تبون نفسه".
وتضيف هذه الوسيلة الإعلامية أن العديد من كبار الضباط الآخرين، بمن فيهم اللواء عبد القادر لشخم، المسؤول القوي عن أنظمة المعلومات في وزارة الدفاع، والعديد من الضباط اعتقلوا في نفس وقت اعتقال واسيني بوعزة.
والأدهى من ذلك، حدث إطلاق نار خلال الاعتقالات، مما أدى إلى قتلى وجرجى، وفقا لمصدر dzvid com. ومن أجل تحييد واسيني بوعزة ورجاله، استعان السعيد شنقريحة برجال المديرية المركزية لأمن الجيش (المخابرات العسكرية).
هذا الحادث الخطير بين فرعين من المخابرات الجزائرية يمكن أن تكون مقدمة لعملية تطهير أكثر عنفا، وهو ما يجعل الجزائر الآن على صفيح ساخن: سلطة جديدة بدون شرعية، حراك، فيروس كورونا، تهاوي أسعار النفط، جيش منقسم أكثر من أي وقت مضى... وملفات الدفاع السرية في يد بلد آخر.