كان اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني أمراً مطروحاً على الأجندة الأميركية، بل كان على قائمة أولوياتها، نظرا لأدواره المتعددة في المنطقة، والتي شكلت خطرا حقيقيا واستراتيجيا على مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، وبعض دول المنطقة الحليفة لهما، حيث يعتبر من صقور الحرس الثوري، ومن رجال المهمات الصعبة في سياسة إيران الخارجية، فقد شارك في إخماد الثورة السورية مدافعا عن نظام بشار الأسد، وشارك في العملية العسكرية ضد مدينة الفلوجة في ماي 2016.
ولد قاسم سليماني في 11 مارس 1957 ببلدة رابور في محافظة كرمان الإيرانية لأسرة تعمل في الفلاحة، والتحق بالحرس الثوري الإيراني أوائل عام 1980، ليشارك وهو في العشرينيات من عمره في الحرب العراقية الإيرانية قائدا لفيلق عسكري، ثم رُقي ليصبح واحدا من بين عشرة قادة إيرانيين مهمين في الفرق الإيرانية العسكرية المنتشرة على الحدود.
وفي تسعينيات القرن الماضي عمل قائدا للحرس الثوري في محافظة كرمان على الحدود مع أفغانستان، وساعدته خبرته العسكرية على الحد من تهريب المخدرات من أفغانستان إلى تركيا وأوروبا عبر إيران، ليعين في سنة 1998 قائدا لفيلق القدس في الحرس الثوري خلفا لأحمد وحيدي.
وعندما اندلعت ثورة الطلاب في عهد محمد خاتمي سنة 1999، كان سليماني واحدا من 24 قائدا في الحرس الثوري وقعوا رسالة أنذروا فيها خاتمي بأن الحرس الثوري سوف يتصدى لحراك الطلبة إن لم تتصد الحكومة له، وسينفذ انقلابا ضد الرئيس نفسه، ثم رُشح بقوة لخلافة يحيى رحيم صفوي في قيادة الحرس الثوري عند تخليه عن المنصب عام 2007، ليقود في سنة 2008 فريقا إيرانيا للتحقيق في مقتل القائد العسكري لحزب الله اللبناني عماد مغنية، وتوسط في العام نفسه لوقف القتال بين الجيش العراقي وجيش المهدي التابع للتيار الصدري في العراق.
وفي 2011 قام مرشد إيران علي خامنئي بترقية سليماني من لواء إلى فريق في الحرس الثوري، ويطلق خامنئي على سليماني لقب "الشهيد الحي"، حيث تولى بأمر من المرشد مسؤولية السياسة الخارجية الإيرانية في عدة دول، منها لبنان والعراق وأفغانستان، التي يجري اختيار الكثير من كوادر سفارات إيران فيها من بين ضباط الحرس الثوري الإيراني، بمعنى أنه يدير مشروع التمدد الإيراني في العالم بأسره، وليس في المنطقة العربية وحدها، ويعتبره البعض القائد الفعلي للجناح العسكري لحزب الله اللبناني.
وبهذا الأمر، أصبح للجنرال كلمة مسموعة في عدد من الدول المحيطة، كسوريا والعراق واليمن، حيث وفي النصف الثاني من عام 2012، وعندما بدأ يظهر عجز النظام السوري عن التصدي للمعارضة المسلحة، تدخل قاسم سليماني بنفسه في إدارة حزب الله اللبناني ومليشيات عراقية في المعركة بسوريا من قاعدة في دمشق، وكانت معركة القصير إحدى أهم المعارك التي أشرف عليها سليماني وتمكن من استردادها من المعارضة في ماي 2013.
وعلى الجبهة العراقية شكل حادث سقوط مدينة الموصل في يد تنظيم الدولة بداية الحديث عن الحضور العلني والدور الصريح لقاسم سليماني وفيلق القدس في معارك العراق، وكان أبرزها معركة مدينة آمرلي في محافظة صلاح الدين، التي تمكنت فيها قوات سليماني والمليشيات الشيعية والقوات الكردية من كسر حصار التنظيم على المدينة.
وبعد اندلاع الصراع في اليمن وانطلاق عاصفة الحزم ضد الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، راجت أنباء عن وجود سليماني في اليمن، غير أن إيران بادرت إلى نفي الخبر.
ويقول باحثون ومهتمون بالشأن الإيراني العربي، أن صنّاع القرار في إيران وجدوا في الجنرال سليماني في صيغته الأسطورية، وصفة مناسبة للحالة العربية، فهو يوجد في المنطقة منذ زمن طويل، ويتحدث العربية بطلاقة، وله علاقات قوية بقادة حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وهو صيغة مهمة لمخاطبة الداخل الإيراني، وتبرير التدخل في المنطقة العربية على وجه الخصوص، فهو بالنسبة للمتدينين، الحامي لمقام السيدة زينب والمجابه لإسرائيل والداعم للمقاومة في فلسطين وأطراف فلسطين، أما بالنسبة لأصحاب التوجه القومي وأولئك الذين لا يؤمنون بالجمهورية الإسلامية أصلاً، فهو الذي يقاتل في جبهات تغص ب "التكفيريين حملة السيوف المقنعين" الذين "يتربصون للانقضاض على إيران" ويقف سليماني ورفاقه سداً أمام خطرهم.