حفل افتتاح كأس إفريقيا بالمغرب: ملحمة الضياء تحت المطر

في 22/12/2025 على الساعة 14:45

انطلقت، أمس الأحد بالعاصمة المغربية الرباط، منافسات بطولة كأس أمم إفريقيا 2025 بشكل رسمي، في نسخة وصفها رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جياني إنفانتينو، بأنها مرشحة لتكون الأفضل في تاريخ المسابقة القارية. في هذا المقال، نسلط الضوء على أبرز فقرات حفل الافتتاح، من خلال استعراض وتحليل العروض المقدمة، برؤية نقدية يقدمها الناقد الفني أحمد الدافري.

وشهد حفل الافتتاح عروضا فنية مبهرة عكست غنى الثقافة الأفريقية وتنوعها الإبداعي، حيث قدمت توليفة هوياتية لافتة امتزجت فيها الأهازيج الأمازيغية القادمة من شموخ الأطلس بالكلمة العربية الموزونة، لتنصهر هذه العناصر في مشهد فني واحد مع الإيقاعات الأفريقية النابضة، في لوحة جسدت عمق الانتماء ووحدة التنوع الثقافي.

تجسيد فني لانتصار «الإرادة» و«الجمال»

اعتبر الناقد الفني أحمد الدافري أن حفل افتتاح بطولة كأس « أمم إفريقيا 2025 »، الذي احتضنه ملعب مولاي عبد الله بالرباط، شكل تجسيدا فنيا لانتصار الإرادة والجمال في أبهى صورهما، متحولا إلى ملحمة صمود حقيقية في مواجهة قسوة الظروف الطبيعية.

وفي تصريح خص به موقع Le360، أوضح الدافري، أن التساقطات المطرية الغزيرة، التي رافقت الحفل بشكل استثنائي، لم تربك المؤدين، بل على العكس، قدم مئات المشاركين عرضا لافتا اتسم بدقة «كوريغرافية» عالية وأداء احترافيا خارقا، متحدين البلل ولزوجة الأرضية، في إنجاز تقني يعد بالغ الصعوبة، خاصة أن مثل هذه الظروف غالبا ما تؤدي إلى الانزلاق وفقدان التوازن.

وأضاف أن الانضباط الفني وروح الالتزام حولا المطر من عائق محتمل إلى عنصر جمالي، حيث أصبح جزءا من المشهد البصري، مضاعفا سحر اللوحات الفنية، فيما تحولت الأرضية المبللة إلى مرآة عاكسة عززت قوة المؤثرات الضوئية، ليغدو الملعب فضاء أقرب إلى الواقعية السحرية، يمزج بتناغم بين إبداع الإنسان وعطاء الطبيعة.

وأشار الدافري إلى أن هذا الصمود الفني حمل رسالة رمزية، أعلن من خلالها المغرب أنه ملتقى قلوب الأفارقة وبيتهم الآمن، مؤكدا أن العواصف لا تزيد نوره إلا إشراقا.

حامل «الكرة/الفانوس» يعكس ضياء مغربي في «قيادة» القارة الإفريقية

وفي تحليله للاستهلال البصري للحفل، أوضح الناقد أن اعتماد اللونين الأبيض والأسود في البداية حمل دلالات تاريخية عميقة، استحضرت ذاكرة البطولة وتاريخ المملكة العريق عبر مشاهد تحاكي الأرشيف السينمائي القديم، قبل أن ينتقل العرض تدريجيا إلى عالم الألوان والضوء، في تعبير رمزي عن النهضة والإشراق الحضاري.

ولفت إلى أن هذا الانتقال من عتمة الماضي وصمت الكثبان إلى ضياء الحداثة عكس طموح المغرب المعاصر في قيادة القارة الأفريقية نحو آفاق رياضية وتكنولوجية عالمية، معتبرا أن شخصية حامل الفانوس المضيء لم تكن سوى رمز لهذا السراج الهادي.

وأكد المتحدث على أن هذا القبس يجسد الدور الذي يضطلع به المغرب في إضاءة مسارات المعرفة والقيم الروحية المشتركة، رابطا بين إرث جامعة القرويين وتاريخ القوافل من جهة، وطموحات الأجيال الصاعدة الساعية إلى التميز والريادة من جهة أخرى، في إشارة إلى ضياء مغربي يسبق دائما لحظة اللقاء ليفتح الطريق أمام قارة تتجه بثبات نحو التوهج برا وبحرا.

توليفة هوياتية متنوعة

على مستوى الهوية، أكد المتحدث أن حفل الافتتاح نجح في تقديم توليفة هوياتية لافتة، عكست غنى الثقافة المغربية بتعدد روافدها، ضمن رؤية فنية متوازنة ومندمجة بانسجام كامل في البناء العام للعرض.

ويتجلى ذلك، بحسبه، في القصيدة الافتتاحية التي أُلقيت بصوت أنثوي خارجي اتسم بالوقار والعمق، وجاءت بمثابة بيان حضاري يربط الحاضر بجذور البدايات الإنسانية في جبل إيغود.

وأوضح أن هذا الصوت الأنثوي، الذي يحيل رمزياً إلى «صوت الأرض الأم»، أضفى على الافتتاح بعدا روحياً عميقا استحضر صمت الكثبان وحكايات الركبان، وكشف عن الكيفية التي تشكلت بها الهوية المغربية بين امتداد الأطلسي وعمق المتوسط.

وأشار إلى أن الأهازيج الأمازيغية القادمة من شموخ الأطلس امتزجت بسلاسة مع الكلمة العربية الموزونة، لتنصهر هذه العناصر مع الإيقاع الإفريقي النابض، من خلال لوحات كناوة والرقصات المعاصرة، في فسيفساء بصرية عكست مغربا منفتحا يخاطب العالم بلغته، دون أن يفقد نبضه الأصيل وجذوره العميقة.

افتتاح سيظل محفورا في الذاكرة الجماعية لإفريقيا والعالم

وأكد الناقد أن القراءة الفنية الشاملة لحفل الافتتاح تبرز نجاحه في تقديم الهوية المغربية باعتبارها هوية دينامية متجددة، تعتز بجذورها العميقة في التاريخ، وتطمح في الوقت ذاته بثقة نحو المستقبل.

وقد تجسد هذا التوجه بوضوح في الذروة الموسيقية للحفل، من خلال الأغنية الجماعية التي شارك فيها النجم العالمي فرانش مونتانا، والتي تحولت إلى نشيد قاري للأمل، امتزجت فيه لغات متعددة مع إيقاعات البوب الحديثة، موجهة خطابها إلى الشباب الإفريقي في مختلف أنحاء العالم.

وأوضح أن مشاركة مونتانا، كفنان عالمي من أصول مغربية، أضفت بعداكونيا على العرض، وأكدت أن الموسيقى المغربية، التي انتقلت بسلاسة من روح ناس الغيوان وإرث سبعينيات القرن الماضي إلى الأداء العالمي المعاصر، تمثل التعبير الأصدق عن مغرب منفتح يحتضن الجميع دون استثناء.

وفي ختام تصريحه لموقع Le360، اعتبر أحمد الدافري أن زخات المطر التي رافقت الحفل كانت بمثابة «هبة سماوية» لملحمة حضارية، برهنت على أن الشعلة التي يحملها المغرب لا تنطفئ، بل يزداد بريقها كلما اشتدت التحديات، ليظل هذا الافتتاح محفورا في الذاكرة الجماعية لإفريقيا والعالم، بوصفه أحد أقوى وأجمل استهلالات البطولات في تاريخ القارة السمراء.

تحرير من طرف حمزة الضيفي / صحفي متدرب
في 22/12/2025 على الساعة 14:45