يشكل الاستحواذ على منصة إكس (المعروفة سابقا بتويتر) من قبل إكس إيه آي، وهي شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي يملكها إيلون ماسك، نقطة تحول استراتيجية ذات آثار متعددة على 40 مليون مستخدم نشط في إفريقيا. بين الاستغلال الهائل للمعطيات، وتحويل تجربة المستخدم، والتبعية للتكنولوجيا، والرهانات التنظيمية، يثير هذا الاندماج العديد من الأسئلة.
وقود مجاني لـ«غروك»
إن استحواذ إكس إيه آي على منصة إكس في 28 مارس الماضي يضع معطيات مستخدمي الشبكة الاجتماعية البالغ عددهم 40 مليون مستخدم إفريقي (بما في ذلك 10 ملايين في نيجيريا و8 ملايين في جنوب إفريقيا) في قلب قضية استراتيجية وأخلاقية. تشكل هذه المعطيات- التغريدات والتفاعلات والصور...- الآن قاعدة التدريب لنماذج الذكاء الاصطناعي مثل غروك، المصمم لمنافسة شات جي بي تي. ويؤكد ستيفان مادرانج، الرئيس المدير العام لميديان سيستيم، قائلا: «ستصبح تغريداتك وصورك ورسائلك... وقودا لنماذج الذكاء الاصطناعي التي يطورها إيلون ماسك. لا اشتراك، ولا تعويض».
هذا الاستغلال الهائل، من غير الموافقة الصريحة، هو جزء من سياق تنظيمي إفريقي مجزأ حيث أن 37 دولة فقط من أصل 54 دولة لديها تشريعات شاملة لحماية المعطيات، مما يترك المستخدمين عرضة لممارسات قد تخضع لعقوبات في أوروبا أو في كندا، حيث تم فتح تحقيق ضد إكس في فبراير 2025. إن غياب الموارد التقنية والمالية للهيئات التنظيمية المحلية يؤدي إلى تفاقم هذا التباين، مما يشكل أرضية خصبة للاستغلال أحادي الجانب.
ومع ذلك، لا تزال إكس ركيزة أساسية للنشاط والمعلومات في أفريقيا، كما يتضح من حركات مثل «EndSARS#» في نيجيريا، وهي تعبئة شعبية بدأت للتنديد بالانتهاكات والعنف الذي ترتكبه فرقة مكافحة السرقة الخاصة، وهي وحدة خاصة من الشرطة النيجيرية. وينطبق الأمر نفسه على حركة «FeesMustFall#» في جنوب إفريقيا، والتي استخدمت أيضا هذه المنصات لتنظيم الاحتجاجات وجذب الاهتمام الدولي.
وكشف تقرير معهد رويترز الرقمي 2024 أن «معدل الثقة بالمعلومات على منصات التواصل الاجتماعي مرتفع نسبيا في إفريقيا (أكثر من 50%) مقارنةً بأوروبا. أما في المغرب، فإن هذا المعدل منخفض نسبيا (31%) ». لكن الاندماج غير الشفاف للذكاء الاصطناعي، إلى جانب سجل ماسك المثير للجدل في هذا المجال، يهدد بتآكل هذه الثقة، وهي ضرورية في المناطق التي غالبا ما تُعوض فيها وسائل التواصل الاجتماعي عن عيوب وسائل الإعلام التقليدية.
Cette photographie d'illustration prise à Bruxelles le 18 novembre 2024 montre les logos du réseau social américain X (ancien Twitter) (à gauche) et Bluesky affichés sur un téléphone portable.. AFP
منصة تركز على الذكاء الاصطناعي: المزايا والعيوب
يسعى إيلون ماسك إلى تحويل إكس إلى «تطبيق عالمي» يدمج بشكل وثيق بين وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، وهي رؤية ذات آثار متباينة على المستخدمين الأفارقة. من ناحية أخرى، قد يوفر هذا الاندماج ميزات ينظر إليها على أنها مفيدة، وإضفاء متزايدا للطابع الشخصي على المحتوى، وذلك بفضل الخوارزميات المدربة على المعطيات التي تعكس الخصوصيات الثقافية أو اللغوية المحلية، أو الخدمات المندمجة مثل غروك، القادرة على تقديم الترجمات إلى اللغات الإفريقية أو المساعدة التقنية الملائمة للاحتياجات الجهوية.
ومع ذلك، فإن هذه الابتكارات التكنولوجية قد تؤدي إلى تفاقم الفجوة الرقمية. لا يستخدم سوى 35% من الأفارقة وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يتم استبعاد المناطق القروية حيث يصل انتشارها ما بين 25 و30% في وسط إفريقيا من هذه التطورات، مما يعزز التفاوت في الولوج إلى التكنولوجيا الرقمية.
وفضلا عن ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي لإكس إيه آي إعادة إنتاج التحيزات الموجودة مسبقا أو حتى تضخيمها. إن المحتوى المكتوب باللغة السواحيلية أو الهاوسا أو غيرها من اللغات المحلية، والذي لا يحظى بالتمثيل الكافي في المعطيات، معرض لخطر التهميش بسبب الخوارزميات المعدة أساسا للغة الإنجليزية أو الفرنسية.
وأخيرا، فإن إعطاء الأولوية لمشتركي بريميوم بلوس -أقل من 1% من المستخدمين – يخلق تراتبية للولوج إلى خدمات بريميوم، وهو ما يستبعد غالبية الأفارقة الذين يواجهون إكراهات اقتصادية. إن هذا المنطق من الممكن أن يحول إكس إلى منصة ذات سرعتين، حيث تستفيد النخبة من الابتكار في المقام الأول، على حساب الادماج الرقمي، الذي يعتبر مع ذلك حيويا لتنمية القارة.
التكلفة المالية والإشهار محدد الهدف
وتسعى منصة إكس، التي تقدر قيمتها بنحو 33 مليار دولار (مقارنة بـ44 مليار دولار في عام 2022)، إلى توسعها عبر الذكاء الاصطناعي. ولكن بالنسبة للشركات الإفريقية الناشئة، فإن هذا الاندماج يعقد المنافسة. إن شركات عملاقة مثل ميتا (واتساب، 250 مليون مستخدم في أفريقيا) أو تيك توك (30 مليون) تهيمن على منصات محلية مثل نايرالاند (نيجيريا) أو مكسيت (جنوب إفريقيا)، وتتفوق عليها، والتي تعاني من أجل المنافسة بسبب نقص الموارد التكنولوجية والمالية. من المؤكد أن دمج الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى الاستفادة القصوى من الإعلانات محددة الهدف على إكس، وجذب المعلنين المحليين.
لكن هذا الأمر يؤدي إلى زيادة التبعية للبنية التحتية الأجنبية. ينضاف إلى ذلك حقيقة عدم وجود أي دولة إفريقية بين مراكز الحوسبة الخاصة بإكس إيه آي، والتي يوجد مقرها في الولايات المتحدة وأوروبا. وهو ما يستبعد أي سيادة رقمية أفريقية. معطيات المستخدمين، التي يتم تحويلها إلى وقود خوارزمي، تغذي الخوادم الخارجية، مما يحرم القارة من القيمة التي تولدها مواردها الرقمية الخاصة. إنها مفارقة تثير سؤالا حاسما: هل ستصبح أفريقيا مجرد خزان معطيات للذكاء الاصطناعي المصمم في مكان آخر، أم أنها ستنجح في هيكلة اقتصاد رقمي مستقل؟
ثلاثة سيناريوهات لـ40 مليون مستخدم
وهكذا، تبرز ثلاثة سيناريوهات لمستخدمي إكس الأفارقة البالغ عددهم 40 مليونا. يتضمن السيناريو الأول استغلال المعطيات دون أي ضمانات: فالمحتوى، بما في ذلك المحتوى المحذوف، سوف يغذي غروك بشكل غامض، في حين قد تستخدم الحكومات هذه المعطيات لأغراض المراقبة السياسية، كما هو الحال أثناء الحركات الاجتماعية.
ويتوقع السيناريو الثاني زيادة تهميش المبدعين المحليين: فهم يتقاضون أقل من الذين يستعملون تيك توك وإنستغرام، وسوف يشهدون انخفاضا في ظهورهم بسبب الخوارزميات التي تفضل المحتوى باللغة الإنجليزية أو التي تتوافق مع مصالح الأسواق الغربية.
وأخيرا، يتضمن السيناريو الثالث تعبئة قانونية وناشطة مستوحاة من التحقيق الكندي ضد منصة إكس، يمكن لدول مثل المغرب (21.2 مليون مستخدم) أو كينيا (5 ملايين مستخدم) أن تشدد قوانين حماية المعطيات الخاصة بها، في حين يمكن للمنظمات أو الحملات التي تركز على قضايا استعمار المعطيات والسيادة الرقمية أن تطالب بالتعويض عن استغلال المعطيات الأفريقية.
يشار إلى أن وزارة العدل المغربية أعلنت في ماي 2024 عن إعداد مشروع قانون طموح يهدف على وجه التحديد إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي. يتضمن هذا المشروع 17 مادة تغطي جوانب مثل الحكامة من خلال إنشاء لجنة وطنية مخصصة للإشراف على أنظمة الذكاء الاصطناعي، والامتثال من حيث الأمن السيبراني واحترام الحياة الخاصة، ودمج المعطيات الشخصية في إطار قانوني يتكيف مع التحديات التكنولوجية الحالية.
وتعكس هذه السيناريوهات كلها التوترات بين الابتكار التكنولوجي وحماية الحقوق، في سياق تحاول فيه إفريقيا التفاوض على مكانها في النظام البيئي العالمي للذكاء الاصطناعي.
وهكذا، فإن الاستحواذ على منصة إكس من قبل إكس إيه آي يجسد مفارقات التكنولوجيا الإفريقية: وعد الابتكار في مواجهة مخاطر الاستغلال. بالنسبة لـ40 مليون مستخدم أفريقي، يكمن الرهان في قدرة الأجهزة التنظيمية والشركات والمجتمع المدني على التفاوض على التوازن بين التقدم التكنولوجي وحماية الحقوق الأساسية. كما يشير ستيفان مادرانج: «في عصر الذكاء الاصطناعي، لم يعد أحد يطلب الإذن». يتعين على إفريقيا، أرض النمو الرقمي، أن تكتب من الآن فصاعدا قواعدها الخاصة بها.








