الحدث أريد له أن يكون كبيرا بحضور ديمتري موراتوف، الصحفي الروسي الحائز على جائزة نوبل للسلام 2021. فقد نظم يوم الاثنين 12 دجنبر 2022 في باريس حفل الدورة الثلاثين لجائزة منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة وكان الهدف المعلن تتويج الصحفيين الذين ساهموا "بطريقة واضحة في الدفاع عن حرية الصحافة أو الترويج لها في العالم". لكن الواقع مختلف تماما.
وإجمالا، تم تتويج 15 صحفياً وإعلامياً من 15 دولة في ثلاث فئات. وهكذا تم تتويج الصحفية الإيرانية نرجس محمدي (في فئة "الشجاعة") والصحفيان الأوكرانيان مستسلاف تشيرنوف ويفهن مالوليتكا (في فئة "التأثير").. والصحفي المغربي عمر الراضي (في فئة الاستقلالية).
في حد ذاته، يكشف هذا "الإخراج المحكم" عن الأجندة الحقيقية التي تقف وراء هذه التتويجات، التي تهدف بالأساس إلى الالتفاف على الحقائق والضغط على الدول أو على أطراف بعينها على وجه الخصوص. هذا العام، عملت منظمة مراسلون بلا حدود على تكريم صحفي مدان في قضية متعلقة بالحق العام، ألا وهو الاغتصاب.
إذا كان عمر الراضي حاليا خلف القضبان، فهو بالفعل سجين الحق العام. فبسبب ارتكابه لجريمة اغتصاب، تم القبض عليه ومقاضاته وحكم عليه وفقا لمقتضيات القانون الجنائي، الذي يدين على هذا النوع من الجرائم بعقوبة سجنية قد تصل إلى 10 سنوات.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أنه بعد عدة جلسات اتسمت بطلبات عديدة لتأجيل المحاكمة قدمت من قبل دفاع المتهم، حكمت الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء على عمر الراضي في 19 يوليوز 2021 بالسجن ست سنوات وغرامة 200 ألف درهم.
إن عمر الراضي اعتقل بعد شكوى اغتصاب رفعتها ضده ضحيته، حفصة بوطاهر، في احترام تام لما ينص عليه القانون.
في هذه القضية، لم يتابع بصفته كصحفي، ولا حتى بصفته كمدافع عن حقوق الإنسان، وحرية التعبير والرأي.
وأدين بعد محاكمة عادلة وتمت تغطيتها على نطاق واسع، وتم خلالها ضمان جميع حقوق الدفاع، وفقا لمقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يعد المغرب من الموقعين عليه.
من خلال تتويج مغتصب مدان وتصويره كبطل لحرية التعبير، تعمد منظمة مراسلون بلا حدود إخفاء الموضوع الحقيقي: حقوق الضحايا. إن الاغتصاب الذي ارتكبه عمر الراضي على حفصة بوطاهر هو في الواقع انتهاك لحقوق المرأة، في وقت تعتبر فيه مكافحة العنف ضد النساء والقاصرين أولوية في العديد من البلدان. لكن من الواضح أن مراسلون بلا حدود لا يهتم لهذا الأمر.
لا تزال هناك حياة محطمة، حياة ضحية الاغتصاب، والتي تريد مراسلون بلا حدود الآن دفنها حية. إن الاستماع إلى حفصة بوطاهر وهي تروي على ما حدث لها يكشف الهوة السحيقة بين فظاعة الحقائق التي مرت بها، وعواقبها الكارثية على حياتها، وبين هذه الإرادة المتوارية وراء ستار الدفاع عن القيم النبيلة، من أجل الإساءة والتحامل على المغرب. هي إرادة أولئك الذين يقومون اليوم، بكلمات معسولة، بالدفاع، بل تتويج شخص هو في الواقع مجرد مغتصب امرأة.
من خلال التصرف بهذه الطريقة، توجه المنظمة غير الحكومية ضربة قاضية للقواعد الأخلاقية التي يلتزم بها أي صحفي يستحق حمل هذا الاسم. الصحفي ليس فوق القانون. مثل غيره من المواطنين، مطلوب منه على الأقل احترام قوانين البلد الذي يعمل فيه، ويجب أن يكون مثالا يحتذى من حيث الاحترام لقيم حقوق الإنسان. وهكذا، من خلال منحه جائزة، تتستر مراسلون بلا حدود على مغتصب، وتصبح شريكا في جريمة بالغة الخطورة، من خلال الدفاع عن إفلات هذا الشخص من العقاب، وبالتالي السعي، بطريقة فجة، لتلميع صورته.
هذا التتويج يأتي ليؤكد حقيقة مفادها أنه بالنسبة لهؤلاء الأشخاص مبادئ حقوق الإنسان متغيرة، وأن تحمل صفة صحفي كافية لخرق القوانين والمس بكرامة الآخرين. حتى لو كان ذلك يعني التجاهل المتعمد لصوت الضحية، التي هي نفسها صحفية.
هذا الإخراج المتمثل في منح "جائزة الاستقلالية" لشخص مغتصب يمس في الصميم بمصداقية هذه الجائزة والمؤسسة التي تمنحها. الخطب العظيمة، مثل تلك التي ألقاها خلال هذا الحفل بعض مسؤولي مراسلون بلا حدود، لن بأي حال من الأحوال الحقائق: عمر الراضي هو "بطل" حفل توزيع الجوائز هذا، ولكنه يظل مدانا في جريمة اغتصاب، ومنظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية هي، في الواقع، شريك في جريمته. مخجل.