في غضون يوم واحد، أكد العديد من وزراء الشؤون الخارجية أو جددوا دعمهم للمخطط المغربي للحكم الذاتي، كحل ذي مصداقية وجاد للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وذلك بفضل ديبلوماسية نشطة وفعالة.
فمن لاهاي إلى بوخارست ومن بلغراد إلى نيقوسيا، مرورا بالقاهرة والمنامة ونيامي وكوناكري، كان المخطط المغربي للحكم بالذاتي في قلب اهتمام دبلوماسي حقيقي جاء ليؤكد مرة أخرى على المقاربة ذات المصداقية والجادة للمغرب، في البحث عن حل سياسي لنزاع قديم يعود إلى ما يقرُب من نصف قرن.
وتم التأكيد على هذا الإجماع، حول الطابع ذي المصداقية والجاد لمخطط الحكم الذاتي بشكل لا لبس فيه من قبل العديد من رؤساء الدبلوماسية من مختلف البلدان، الذين اجتمعوا في مراكش، بمناسبة الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد داعش.
وهكذا، فقد أخرج النجاح الكبير الذي حققه الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد داعش، الذي انعقد يوم الأربعاء 11 ماي 2022 في مراكش، (أخرج) النظام الجزائري عن أطواره. فقد انتقدت الجزائر بشكل رسمي، يوم الخميس الماضي، المغرب، واتهمته بأنه استغل هذا الاجتماع من أجل حشد الدعم لوحدته الترابية. موقف يثير حقا الشفقة.
ياله من إحباط! إن البيان الصحفي الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية هو مزيج من الحقد والغيرة والغضب والإحباط والعزلة. هذا البيان الصحفي، الذي يستحق أن يكون موضوعا جيدا للتحليل النفسي لنظامٍ عُصابي تجاوزته الرهانات الجيوسياسية، هو بيان يثير حقا الشفقة من جميع وجهات النظر.
ما هي الوقائع التي تسببت في الغضب العارم للقادة الجزائريين؟ طيب، شاركت 79 دولة من جميع أنحاء العالم وأكثر من 400 مشارك، من بينهم 47 وزيرا و38 رئيس دبلوماسية، في الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد داعش، الذي عقد يوم الأربعاء 11 ماي في مراكش.
هذا الاجتماع الدولي المنظم بمبادرة مشتركة من وزير الخارجية الأمريكية أنـوني بلينكن، ونظيره المغربي ناصر بوريطة، كان ناجحا للغاية، لدرجة أن النظام الجزائري قد عض على أصابع الندم لأنه قطع علاقاته الدبلوماسية من جانب واحد مع المغرب. في الواقع، لم تُتَح له الفرصة "لبيع" تجربته الكبيرة في مكافحة الإرهاب ونجاحه في ابتكار نوع جديد في هذا المجال خلال العقد الأسود -الجميع يغتال الجميع-، وهو الذي خُلِّد تحت شعار "من يقتل من؟"، هذه التجربة النادرة في المجازر الدموية لم تُتَح الفرصة للنظام الجزائري لعرضها في مراكش.
وبعدما تعذر عليه الدخول من الباب الكبير في هذه المدينة الحمراء الجميلة، حاول رئيس الدبلوماسية الجزائرية فرض نفسه، لكن من الباب الصغير.
ففي بيان رسمي نشرته، يوم الخميس 12 ماي الجاري، وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أكدت وزارة الشؤون الخارجية أن "الجزائر أدانت تحويل المغرب لموضوع المؤتمر الدولي لمحاربة الجماعة الإرهابية داعش، الذي انعقد بمراكش، إلى حدث مخصص لقضية الصحراء".
وبحسب هذا البيان، فإن "المؤتمر الدولي لمحاربة الجماعة الإرهابية داعش الذي انعقد بمراكش، أثار ضجة بفعل بيانات من إنتاج البلد المضيف، الذي عمل على تحويل هذا التجمع إلى حدث مخصص لقضية الصحراء".
وعلى ما يبدو، فقد كان الدعم، خاصة الصادر عن كل من هولندا ورومانيا، لمخطط الحكم الذاتي التي اقترحه المغرب لإيجاد حل نهائي للنزاع حول الصحراء، هو الذي أغضب الجزائر.
وهذا واضح من صياغة بيان وزارة الخارجية الجزائرية، التي لا تتوقف عن التشكي والعويل، وهو دليل على مرض خطير، أو على الأقل، على اكتئاب حاد. وهكذا نقرأ في هذا البيان: "إن تشبث الدبلوماسية المغربية بشبح الحكم الذاتي الزائف ومحاولتها تشويه المعركة العالمية ضد الإرهاب، وتوظيفها من أجل حسابات ضيقة وأنانية، لا يخدم بأي وجه كان الأهداف المشروعة للمجتمع الدولي في هذا المجال". لكن السؤال المطروح: هو هل سيُقدِّر المجتمع الدولي أن يتحدث النظام الأوتوقراطي في الجزائر باسمه؟
وبعد العويل والبكاء، ينتقل النظام الجزائري إلى توجيه الشتائم، متهماً المغرب بـ"الاحتيال الدبلوماسي" و"العناد"، بل وذهب إلى حد دعوة الأمم المتحدة والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى مضاعفة الجهود لإنهاء ما يصفه بـ"الاستعمار في الصحراء". ويبدو أن نفس الدولة التي تناشد الأمم المتحدة اليوم، قد نسيت أنها رفضت قبل ستة أشهر فقط قرار مجلس الأمن رقم 2602 بشأن الصحراء. أ هو فقدان ذاكرة؟ أم تناقض؟ أم فقدان بوصلة؟ أم حيرة؟ أم انفصام فى الشخصية؟
ومع ذلك، فإن غضب النظام الجزائري، بدافع من الديناميكية الدولية الداعمة لمخطط الحكم الذاتي، هو مصطنع فقط، لأنه في هذا النوع من الاجتماعات، من الطبيعي جدا عقد لقاءات ثنائية بين الضيوف وقادة البلد المضيف، ومن الطبيعي جدا أن تكون القضية الوطنية الأولى في المغرب حاضرة في المداخلات والبيانات الصحفية المشتركة.
إحباط النظام الجزائري أعمقُ بكثير، ولا يمكن تفسير ذلك إلا من خلال غيرة بلد، سمي باسم الجزائر على يد فرنسا عام 1839، بعد نجاح أمة عريقة عمرها ألف سنة في ملتقيات عالمية المستوى واستضافة شخصيات مرموقة. إن "الضجيج" الذي أثير حول هذا الاجتماع الدولي يصُمُّ آذان القادة الجزائريين وينضاف إليه صمت الضيف اللامع الذي حل بالجزائر بشأن الصحراء. فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي حل يوم الثلاثاء الماضي بالجزائر العاصمة، لم ينطق، ولو لمرة واحدة، كلمة "الصحراء". صمته أشد مضاضة من "ضجيج" مراكش.