بداية حلقة اليوم من "خيمة Le360" ستكون انطلاقا من مستجدات اتفاق المغرب وإسبانيا بشأن عكس مسار خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي، مرورا بعودة قضية بيغاسوس إلى الواجهة، ثم وصولا إلى أسباب تكالب بعض وسائل الإعلام، خاصة الفرنسية، ضد المملكة المغربية، بدون وجه حق أو أدلة.
عكس مسار خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي:
إذا كان المسؤولون المغاربة والإسبان يتفقون على أن الغاز، الذي سيتم ضخه من خلال مسار تدفق خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي (من إسبانيا نحو المغرب)، لن يكون غازا جزائريا، فإن التشويق يظلُّ سيد الموقف بخصوص التكلفة والمزودين الذي سيؤمِّنون من الآنْ فصاعدا تزويد السوق المغربي بالغاز.
في نهاية شهر أبريل الماضي، هدد النظام الجزائري بفسخ عقده مع إسبانيا بعد أن قررت مدريد والرباط عكس مسار تدفق خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي، الذي تم توقيفه منذ نهاية أكتوبر 2021.
وتماديا في مواقفها العَدائية تجاه المغرب، عبرت الجزائر عن قلقها من أن يتم تزويد المغرب بالغاز الجزائري أثناء عملية عكس مسار تدفق خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوربي. لم يتأخر رد فعل مدريد، إذ أشارت إلى الموافقة بالسماح للرباط، باستخدام المنشآت الإسبانية الخاصة بإعادة تحويل الغاز لمعالجة مشتريات المغرب من الغاز الطبيعي المسال فقط في السوق الدولية.
وبحسب الموقع الإخباري اللندني "رأي اليوم"، فإنه من المفترض أن تصل ناقلات الغاز الطبيعي المسال المستأجرة من قبل المغرب عبر المحيط الأطلسي من الولايات المتحدة أو نيجيريا (بدون استبعاد قطر) قبل تفريغ الشحنات في ميناء هويلفا في الأندلس، والبدء في عملية الضخ إلى وسط خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي الواقع في قرطبة.
وبدلا من الاكتفاء بمزود واحد، يسعى المغرب لتنويع مصادر مزوديه، بسبب صعوبة الحصول على الغاز من السوق الدولية (ندرة الغاز والسعر المرتفع) وبسبب الصراع المسلح بين روسيا وأوكرانيا.
وأشار الموقع اللندني إلى أن "استيراد الغاز قد يكلف المغرب سبعة أضعاف السعر الذي كان يتلقاه من الجزائر عبر خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي، لكن المغرب لا يحتاج إلى كميات كبيرة من الغاز، مما يسهل عليه الحصول على الكميات التي يرغب فيها في السوق الدولية.
قضية بيغاسوس تعود إلى الواجهة:
وبعيدا عن موضوع الغاز، فإن الحديث عن برنامج بيغاسوس عاد إلى الواجهة مرة أخرى، فما هي أسباب التكالب ضد المملكة المغربية؟
على الرغم من أن المغرب أكد مرارا وتكرارا أنه لم يسبق له أن حصل على برنامج بيغاسوس، فإن بعض وسائل الإعلام، بما في ذلك الفرنسية، تحاول بأي ثمن توريط المغرب في ملفات تتعلق بهذا البرنامج.
في ما يخص قضية بيغاسوس، برامج التجسس التي صممته شركة NSO الإسرائيلية، قد تكون الوقائع عنيدة، وموقف المغرب واضح وثابت، والدلائل غير موجودة، لكن بعض وسائل الإعلام الأجنبية، بما في ذلك وسائل إعلام فرنسية، تستمر في التكالب على المملكة. يكفي فقط أن تتفجر فضيحة جديدة في إسبانيا لتوجيه أصابع الاتهام مرة أخرى إلى المغرب.
ففي يوم الاثنين الماضي، كشف وزير شؤون الرئاسة الإسباني فيليكس بولانيوس، عن استهداف هواتف رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، ووزيرة دفاعه مارغريتا روبلس، في ماي ويونيو 2021 ببرنامج بيغاسوس، كان ذلك خلال مؤتمر صحفي، تحدث خلاله الوزير الإسباني عن ما اعتبره "حقائق بالغة الخطورة" و"هجوم خارجي".
وتساءلت عدة وسائل إعلام إسبانية عن الأحداث المهمة التي وقعت حينها، والتي يمكن أن تفسر مثل هذا الهجوم. وذكّرت تلك الوسائل، من ناحية، بالاستعدادات للعفو عن قادة حركة استقلال كاتالونيا، وهو العفو الذي حدث بعد ذلك ببضعة أسابيع في يونيو 2021، ومن ناحية أخرى، ذكّرت أيضا بالأزمة الدبلوماسية بين إسبانيا والمغرب، التي تفجرت بعد إدخال زعيم البوليساريو إبراهيم غالي إلى مستشفى في لوغرونيو شمالي البلاد.
لكن ردود الفعل الأكثر شراسة جاءت بشكل مفاجئ من بعض وسائل الإعلام الفرنسية، على الرغم من سمعتها بأنها تتعامل مع الوقائع البحتة، اثنتان من تلك الوسائل الإعلامية، على وجه الخصوص، تميزتا بتهجمهما على المغرب، الذي يعتزم مقاضاتهما لنشرهما أخبارا كاذبة وكيدية بعد اتهام المغرب باستخدام هذا البرنامج. يتعلق الأمر أولا بـ"France Info"، وهي إذاعة عمومية فرنسية، والتي فكرت بشكل عفوي في المغرب، "أحد البلدان الرئيسية المتهمة في فضيحة التنصت الهاتفي"، ثم هناك أيضا صحيفة "Le Monde"، التي تسير في نفس الاتجاه.
ويمكن القول إن هذه القضية الإسبانية الجديدة هي فرصة لهذه الوسائل الإعلامية، التي شعرت بخيبة أمل كبيرة للغاية، لأن هجومهما الأول لم يُكلَّل بالنجاح في إسقاط الرؤوس التي أرادوا إسقاطها داخل أجهزة المخابرات المغربية.
العودة إلى تشعبات القضية تساهم في فهم أسباب هذا التكالب والتهجم على المملكة. تُعد France Info وLe Monde جزءً من تحالف يتألف من 17 وسيلة إعلامية دولية، التي عالجت قائمة تضم 50.000 رقم هاتف، استُهدفت جميعها ببرنامج بيغاسوس، والتي كشفت عنها منظمة فوربيدن ستوريز في يوليوز 2021.
خلال معالجتهم للمعلومات التي تم تسليمها لهم، أظهرت هذه الوسائل الإعلامية أنها انتقائية بشكل خاص في ما يتعلق بالدول التي تم التنديد بها، وتم الاستشهاد بـ11 دولة فقط، بما في ذلك المغرب، في حين اتضح أن شركة NSO لديها ما لا يقل عن 45 زبونا، معظمهم من البلدان الأوروبية.
والغريب في الأمر أنه لم يكن هناك أي تساؤل حول هذه الدول الأوروبية، التي تتوفر على برنامج بيغاسوس. الدولة الأوروبية الوحيدة التي تم ذكرها من قبل فوربيدن ستوريز هي هنغاريا، التي يرأسها فيكتور أوربان، العدو اللدود لعدد من الدول الأوربية.
أما أجهزة المخابرات المغربية فقد تم تقديمها على أنها الأكثر شراهة، ووفقا لما كشفته وسائل الإعلام هذه، فإنها متهمة بـ"تنفيذ عملية تجسس جماعي استهدفت أكثر من عشرة آلاف شخص، بمن فيهم رؤساء دول.
غير أن المغرب كان في رده واضحا للغاية، نفى بشكل رسمي شراءه أو استخدامه لبرنامج بيغاسوس. كما قدمت المملكة شكاوى، تطلب استدعاء وسائل الإعلام الفرنسية وتلك الخاصة بالدول الأخرى، من أجل تهمة التشهير، أمام السلطات القضائية الخاصة بكل منها، سيما في ألمانيا وإسبانيا. وقد عملت المملكة على هذا النحو للدفاع عن حقوقها وسمعتها وسمعة إداراتها الأمنية التي تعمل في إطار دولة الحق والقانون.
غير أن العدالة الفرنسية رفضت إحقاق الحق في هذا الملف. فقد رفضت محكمة باريس، يوم الجمعة 25 مارس 2022، قَبول دعوى التشهير المرفوعة إليها. قرار جاء على الرغم من المرافعات التاريخية من محاميي المغرب، الذين أكدوا أن المملكة هي دائما شفافة وبالتالي ليس لديها ما تخفيه. ورغم أن الاستاذ أوليفيي باراتيلي، المحامي الذي فوضته المملكة في قضية بيغاسوس، قد أكد أن وسائل الإعلام هذه غير قادرة على تقديم الأدلة، مستنكرا "وضعا شاذا" و "خدعة" إعلامية، فإن العدالة الفرنسية كانت مصرة على إجهاض محاكمة كان يمكن أن تكون مثيرة.
وقد قدم المحامي باراتيلي، في مقابلة صحفية، تفسيره حول هذا الموضوع، قائلا: "نستخدم حِيلاً مسطرية ووسائل الدفع بعدم قبول الدعوى من أجل تجنب النقاش الجوهري". ومع ذلك، هناك شيء واحد مؤكد، "اليوم، أظهر تحقيق في فرنسا أن المغرب لم يستخدم أبدا برنامج بيغاسوس".
استأنف المغرب قرار القضاء الفرنسي، الأمر الذي يفسر تهافت هاتين الوسيلتين الإعلاميتين الفرنسيتين، على وجه الخصوص، على استغلال ما وقع في إسبانيا من أجل محاولة استهداف المملكة مرة أخرى. وبالتالي، فهذه الوسائل الإعلامية نفسها، التي لا تتردد في ربط دولة ذات سيادة بممارسات تقوم بها منظمات تنشط على الهامش، لا تخشى من أن تسقط في التهويل وحتى في المسخرة، بل تذهب إلى حد المبالغة حتى تعطي بكل بساطة الأهمية للوقائع الزائفة التي تنقلها.
تعود هذه الوسائل الإعلامية أيضا إلى توجيه الاتهام في كل مرة لإبلاغ الرسالة نفسها، من بين أهداف التنصت على المكالمات الهاتفية التي يُزْعَمُ أن المغرب قام بها، هناك شخصيات فرنسية، خاصة الرئيس إيمانويل ماكرون على سبيل المثال. ومع ذلك، كل هذا مجرد كذب وبهتان. في نهاية شهر دجنبر الماضي، وفي مقابلة مع صحيفة Le Monde، كان وزير الخارجية الإسرائيلي نفسُه هو الذي نفى رسميا هذه الأراجيف. وهكذا، وضع يائير لبيد حدا لأسطوانة التنصت على هاتف الرئيس الفرنسي من قبل الاستخبارات المغربية، وقال بشكل قاطع: "لم يستمع أحد إلى هاتف الرئيس ماكرون".
كما نفت شركة NSO الإسرائيلية، التي صممت وصنعت برنامج بيغاسوس، بشكل رسمي، التجسس على هاتف الرئيس الفرنسي. لكن هذا لم يكن كافيا لتحويل بعض وسائل الإعلام عن رد فعلها الخالٍ من المهنية والإشارة، في كل مرة يتعاملون فيها مع قضية بيغاسوس، إلى هذا التجسس المزعوم الذي استهدف هاتف ماكرون.
الأطراف الساعية لربط المغرب ببيغاسوس لا تهمها الحقيقة. إن التهم الموجهة إلى المملكة المغربية لا تهدف فقط إلى المس بثوابتها ومؤسساتها، بل تهدف أيضا إلى محاولة الحد من إشعاع بلد أصبح يُزعج البعض. إن التكالب الذي يستهدف بلادَنا، بالاعتماد على قضية مُلفّقة، لن يُغيّر شيئا. من الأفضل لوسائل الإعلام المعنية، المرموقة بكل تأكيد، والتي لديها هذا الميل المؤسف للتسطيح عندما يتعلق الأمر بالمغرب، أن تبحث في مكان آخر, ربما يكون "العدوُّ" أقربَ إلى دولِهم أكثرَ مما يتصورون.
تصوير: حمدي يارى
مونتاج وغرافيزم: يوسف الحراق