بداية حلقة اليوم من "خيمة Le360" ستكون من الرد الحازم لإسبانيا على تصريحات الرئيس الجزائري، مرورا بالتوضيحات المثيرة للشفقة الصادرة عن النظام الجزائري عقب الرد الصارم لمدريد، ثم وصولا إلى غضب الجزائر بعد الإعلان عن البدء في عكسِ مسارِ تدفق خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي.
الرد الحازم لإسبانيا على تصريحات الرئيس الجزائري
ردا على التصريحات الأخيرة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والمتأرجحة بين الإهانة والتدخل في الشؤون الداخلية لإسبانيا بعد موقفها الجديد الداعم لمخطط الحكم الذاتي المغربي بشأن قضية الصحراء، لم يُخفِ وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس انزعاجه من مضمون تلك التصريحات. فبالنسبة لرئيس الدبلوماسية الإسبانية، فإن المقاربة الجزائرية "عقيمة".
الجزائر ردت بطريقة سيئة وبئيسة. ففي مقابلة أجريت يوم السبت 23 أبريل الجاري، أمام وسيلتين إعلاميتين في بلاده، احتج عبد المجيد تبون مرة أخرى على موقف مدريد الأخير من قضية الصحراء، ووَصَف موقف إسبانيا الجديد هذه المرة بأنه "غير مقبول لا أخلاقيا ولا تاريخيا".
ويبدو أن الأمر تجاوز كل الحدود بالنسبة لإسبانيا. فقد جاء الرد على لسان رئيس الدبلوماسية الإسبانية، خوسي مانويل ألباريس، بعد يومين، وردّ على السلطة الجزائرية بعبارات حازمة، عبر إذاعة أوندا ثيرو، قائلا: "لن أؤجج النقاشات العقيمة، لكن إسبانيا اتخذت قرارا سياديا في إطار القانون الدولي وليس هناك شيء آخر تضيفه".
في الواقع، لا يمر يومٌ دون أن تكشف السلطة الجزائرية عن طبيعتها الحقيقية، أي أنها الطرف الرئيسي في الصراع حول الصحراء المغربية، وتذهب إلى حد إخفاء جبهة البوليساريو، التي تجد نفسها الآن تقوم بدور هامشي. هذا الموقف يكشف زيف الأسطوانة التي تدعي الجزائر من خلالها بأنها ليست الطرف الرئيسي في الملف.
بعد أن تلقى النظام الجزائري ردا قاسيا من مدريد عقب التصريحات السخيفة للرئيس عبد المجيد تبون بشأن الموقف السيادي لإسبانيا حول قضية الصحراء المغربية، يحاول هذا النظام الآن تقديم توضيحات. إنه فعلا تراجعٌ مثير للشفقة، يليق بنظام يسير عكس التيار.
عندما تصل الدبلوماسية الجزائرية إلى الحضيض، لا يمكنها الامتناع عن مواصلة الانحدار. هذا أقل ما يمكن قوله في ضوء الحلقة الأخيرة من سلسلة ردود الفعل، المهينة أحيانا، والمضطربة أحيانا أخرى، للسلطة الجزائرية في ما يتعلق بدعم إسبانيا الرسمي لمخطط الحكم الذاتي بالصحراء تحت السيادة المغربية.
التوضيحات المثيرة للشفقة الصادرة عن النظام الجزائري عقب الرد الصارم لمدريد
قبل أيام، وفي مواجهة ازدراء إسبانيا لتهجماتها، تراجعت الجزائر بشكل مؤسف من خلال "توضيح" مثير للشفقة لموقفها من مدريد، بعد توجيه انتقادات ضد الحكومة الإسبانية وضد رئيسها، بيدرو سانشيز.
ففي وقت متأخر من مساء الثلاثاء 26 أبريل الجاري، أتحفتنا وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بقصاصة، نقلا عن "مراقبين" غامضين، تؤكد فيها أن "رئيس الجمهورية الذي لطالما أكد أن الجزائر ليست طرفا في النزاع القائم بالصحراء، قد وضّح موقف البلاد اتجاه إسبانيا من خلال تجديد التأكيد على العلاقات الوثيقة بين البلدين" وأن الجزائر "تأسف للموقف الجديد الذي عبر عنه رئيس الحكومة الذي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يعكس موقف الشعب الإسباني أو موقف الملك فيليبي، الذي لم يشر إليه رئيس الجمهورية الجزائرية قط"، هذا ما ورد بالحرف في وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية.
كان هؤلاء "المراقبون" يحاولون التخفيف من حدة هجوم عبد المجيد تبون على إسبانيا خلال مقابلته مع اثنين من وسائل الإعلام الجزائرية يوم السبت 23 أبريل. فقد استنكر رئيس الدولة الجزائري ما وصفه بـ"الانقلاب غير المقبول لا أخلاقيا ولا تاريخيا" للجار الشمالي. بل ذهب تبون إلى أبعد من ذلك، عندما أكد قائلا: "لدينا علاقات ودية مع الدولة الإسبانية لكن رئيس الحكومة بيدرو سانشيز كسَّر كل شيء".
ومع ذلك، فإن النظام الجزائري لم ينتظر مقابلة تبون لبدء أعماله العَدائية ضد إسبانيا، فمنذ 19 مارس الماضي، استدعت الجزائر سفيرها في مدريد، موقف يعكس على أقل تقدير أن الجزائر هي طرف أساسي وليس كما يدعي نظامها بصوت عال أنه مجرد مراقب في ملف الصحراء وأن جميع مواقفه بشأن هذا الموضوع هي مسألة مبدأ. لكن من الواضح أن تغيير إسبانيا لموقفها في قضية الصحراء جعل الماسكين بزمام السلطة في الجزائر يفقدون أعصابهم، لدرجة أن تبون سمح لنفسه بالتدخل في قرارات دولة ذات سيادة مثل إسبانيا.
غضب الجزائر بعد الإعلان عن البدء في عكس مسار تدفق خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي
أما في ما يخص ملف الغاز، فإن الجزائر لا تنظر بعين الرضى للشراكة الطاقية بين المغرب وإسبانيا، والتي تهدف إلى عكس مسار تدفق خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي. في بادرة عَدائية جديدة تجاه المملكة، ذهب وزير الطاقة والمناجم الجزائري إلى حد التهديد بقطع شحنات الغاز عن الزبناء الإسبان. موقف مثير للشفقة مرة أخرى.
وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، نقلا عن بلاغ وزارة الطاقة الجزائرية، فقد توصل وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب "ببريد إلكتروني من نظيرته الإسبانية، السيدة تيريزا ريبيرا، تبلغه فيه بقرار إسبانيا القاضي بترخيص التدفق العكسي عبر أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي".
وأضافت وكالة الأنباء الجزائرية أن وزارة الطاقة والمناجم حرِصت على التأكيد أن "أي كمية من الغاز الجزائري المصدرة إلى إسبانيا تكون وجهتها غير تلك المنصوص عليها في العقود، ستعتبر إخلالا بالالتزامات التعاقدية، وقد تُفضي بالتالي إلى فسخ العقد الذي يربط سوناطراك بزبائنها الإسبان".
وتُعبِّر النبرة التهديدية لبلاغ الوزارة الجزائرية عن شعور بالكراهية والغضب العاجز تجاه المغرب، الذي وَلَج إلى السوق الدولية للغاز الطبيعي المسال. وهكذا، يستعد المغرب لاستقبال الشحنات الأولى من الغاز المخصصة لتزويد محطتي توليد الكهرباء في عين بني مطهر وتهدارت، اللتين تم إغلاقُهما منذ انتهاء العقد بين المغرب والجزائر في نهاية شهر أكتوبر الماضي.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته وزيرة الانتقال الطاقي ليلى بنعلي، يوم الجمعة 15 أبريل، قالت بنعلي إن المغرب لن يحصل على الغاز لا من السوق الإسبانية ولا من السوق الأوروبية، مؤكدة أن إسبانيا ستقوم فقط بإتاحة بِنيتها التحتية للمغرب لنقل الغاز إلى المملكة من خلال عكس تدفق أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي.
في بداية دجنبر الماضي، وفي الوقت الذي كانت فيه المناقشات والمفاوضات بين المغرب وإسبانيا تجري على قدم وساق، حرِص مصدر في المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن، وهي المؤسسة المسؤولة عن تشغيل وتدبير شبكة أنابيب الغاز، ردا على سؤال طرحه Le360، حرِص على التأكيد على أنه إذا كان من المقرر اعتماد خيار التوريد من إسبانيا، فإن الأمر لن يتعلق بتوريد الغاز الجزائري إلى المغرب بشكل ملتو كما تحب بعض وسائل الإعلام الإيهام بذلك، خاصة وسائل الإعلام الجزائرية، وعلى رأسها بطبيعة الحال وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.
اعتقد النظام الجزائري أنه سيخنِق المغرب ويغرِق المدن المغربية في الظلام، من خلال اتخاذ قرار أدى في النهاية إلى نتائجَ عكسية ارتدّت على أصحابه. حتى أن مهرج النظام، عمار بلاني، قارن باستهزاء خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي العابر للمغرب بآلة ديدجيريدو، لكن في أي منطقة يا عمّار تحول جزء من خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي إلى ديدجيريدو؟ والأدهى من ذلك هو أن الشيوخ الماسكين بزمام السلطة في الجزائر لا يملكون حتى نفَساً للنفخ فيها.
تصوير: حمدي يارى
مونتاج وغرافيزم: يوسف الحراق