تلقت وزارة الدفاع الجزائرية، وهي تحت الإشراف المباشر للرئيس عبد المجيد تبون، ولكنها تدار واقعيا وفعليا من قبل رئيس أركان الجيش الجزائري، اللواء سعيد شنقريحة، صفعة مهينة من إدارة يوتوب.
قناة هذه الوزارة، التي تبث على منصة هذه الشبكة العالمية، أغلقت بكل بساطة بسبب محتواها الذي اعتبر أنه لا يحترم القواعد الأساسية للأخلاق المهنية.
القشة التي قصمت ظهر البعير ليست سوى البث على موقع يوتوب لبرنامج أعد بأمر من الجيش وأذيع على التلفزيون الجزائري العمومي. ويتعلق الأمر بتقرير عن بعض المعارضين السياسيين الجزائريين الذين يعيشون في المنفى، والذين ينتقدون بشدة قوة الطغمة العسكرية الحاكمة على شبكات التواصل الاجتماعي.
هؤلاء المعارضون الحاضرون بشكل خاص على يوتيوب، حيث يحققون أرقام مشاهدة قياسية من قبل الجمهور، وهو ما يظهر أنهم يتمتعون بشعبية كبيرة لدى الجزائريين، متقدمين بفارق كبير على جميع وسائل الإعلام الجزائرية، العمومية والخاصة، (هؤلاء المعارضون) تعرضوا للإهانات والاتهامات المسيئة في برنامج الطغمة العسكرية. تهم الخيانة والتآمر ضد الجزائر والتواطؤ مع أعدائها "الأجانب" المزعومين والإرهاب والاتهام بالضلوع في عمليات القتل وحرق الغابات... كل شيء يمر في تلك القناة بما في ذلك الأكاذيب والدعاية الفجة التي تعود إلى حقبة ولت، وهو ما لا يليق بشرف جيش تقليدي.
وقد كان أحد هؤلاء المعارضين، الذي ورد اسمه في الفيديو المذكور، الصحافي هشام عبود، المنفي في فرنسا، صائبا في تعليقه على إغلاق قناة وزارة الدفاع الجزائرية على موقع يوتيوب.
هذا الإغلاق لقناة وزارة الدفاع الجزائرية هو أيضا ضربة قاسية موجهة للنظام الذي يبحث بأي وسيلة لإلهاء الجزائريين عن المشاكل الخطيرة التي يواجهونها يوميا: تهاوي القدرة الشرائية، والزيادة الصاروخية في المواد الاستهلاكية، وندرة المواد الغذائية الأساسية مثل الطحين والماء والزيت والأكسجين، وعدم وجود الأدوية الأساسية لمكافحة الأمراض الخطيرة مثل السرطان، والهروب الجماعي غير المسبوق للمواطنين وتوجههم بكثافة عبر قوارب الموت إلى السواحل الإسبانية معرضين حياتهم للخطر...
إن تعرية هذه الأكاذيب الصارخة دفعت القيادة العليا للجيش الجزائري إلى حجب العديد من وسائل الإعلام التابعة لها على شبكة الإنترنت، والتي لم يعد متاحا الولوج إليها انطلاقا من العديد من البلدان.
وللتغطية على الانهيار الذي يعرفه النظام وإفلاس نموذجه الاقتصادي، تنخرط الطغمة العسكرية في دعاية فجة تثير الشفقة.
في خطابه الأخير الذي ألقاه يوم السبت 25 شتنبر 2021 أمام أعضاء الحكومة والولاة وبحضور، وهذا أمر طبيعي، اللواء سعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش، هاجم الرئيس عبد المجيد تبون وسائل إعلام دول الجوار باستثناء تونس. وبحسبه، تواصل المواقع الإلكترونية لجميع البلدان المجاورة للجزائر (المغرب وموريتانيا وليبيا ومالي والنيجر) مهاجمة الجزائر بانتظام.
ومع ذلك، انتهى به الأمر إلى تأكيد ما تقوله جميع وسائل الإعلام الأجنبية بالضبط عن الجزائر. وهكذا، قال تبون أمام المسؤولين الكبار في الدولة: "يجب ألا نخفي الشمس بالغربال: اقتصادنا يتوافق تماما مع تعريف الاقتصاد المتخلف. إنه اقتصاد مفكك، اقتصاد لا توجد فيه تبادل بين القطاعات، واقتصاد موجه نحو الاستيراد".
ولكن هذا لم يمنعه من ترديد الأسطوانة المعروفة بأن الجزائر "قوة ضاربة، وقوة معترف بها من قبل العالم كله، باستثناء الجزائريين أنفسهم". الكلمة النهائية لكل الجهود التي تبذلها الطغمة العسكرية حاليا وأذنابهم أطلقها الرئيس تبون: الجزائريون مدعوون للاعتراف بقوة بلدهم وحتى أن يفخروا بالجنرالات المسنين الأربعة الذين يتحكمون في مقاليد الحكم في البلاد: سعيد شنقريحة، خالد نزار ومحمد مدين ومهنا جبار.
ولكن من يحاول أن يخدع؟ الشعب الجزائري الذي يفر من البلد النفطي للمغامرة بحياته في مياه البحر الأبيض المتوسط، والذي لم يعد بإمكانه أكل اللحوم البيضاء، ولا الحصول على أدوية لعلاج الأمراض المزمنة؟ الجزائريون يستحقون أفضل من الطغمة العسكرية و"تبون المغتصب" التي يشكل واجهتها المدنية.
إن دعاية الجنرالات وتصريحات تبون الحماسية هي عقيمة. إذ لا يمكن حقيقة إخفاء الشمس بالغربال. هذه الشمس تحرق المواطنين الجزائريين وتشعل أسعار المواد الغذائية وتجعلهم عطشى.
دعاية النظام الفجة لن تغير هذا الواقع. وتظهر صفعة يوتيوب الموجهة للطغمة العسكرية أن الأساليب القديمة المهترئة التي تلجأ إليها لم تجدِ. هذا الإغلاق هو أيضا إذلال لجيش، من المفترض أن يحافظ على سمعته وشرفه، حتى لو كان ذلك فقط للحفاظ على معنويات جنوده.