مرة أخرى.. إقحام المغرب في مسلسل تجسس من الخيال العلمي

امرأة تمشي أمام المبنى الذي يضم مجموعة NSO الإسرائيلية في هرتسليا، بالقرب من تل أبيب. وتتهم العديد من وسائل الإعلام الشركة الإسرائيلية بتقديم برامج تجسس لحكومات، بما في ذلك المغرب.

امرأة تمشي أمام المبنى الذي يضم مجموعة NSO الإسرائيلية في هرتسليا، بالقرب من تل أبيب. وتتهم العديد من وسائل الإعلام الشركة الإسرائيلية بتقديم برامج تجسس لحكومات، بما في ذلك المغرب. . DR

في 19/07/2021 على الساعة 11:28

كشف تحقيق، نُشر أمس في 17 وسيلة إعلامية دولية، بما في ذلك لوموند والغارديان وواشنطن بوست، عن استخدام المغرب لبرامج تجسس طورتها شركة NSO الإسرائيلية للتجسس على الصحافيين ومدراء الصحف والشخصيات الفرنسية. تحقيق مليئ بالترهات وبدون أدلة.

من المفترض أن يكون مسلسل هذا الصيف. وهو عادة ما يكون فصل الهدوء، من ناحية الأخبار الساخنة، والذي تواجهه الصحف بإخراج مواضيع جاهزة من الثلاجة. خلال النصف الثاني من شهر يوليوز، ستتم برمجة سلسلة من المقالات تجمع بين الإثارة والتجسس الجماعي، مع اختيار الضحايا من بين الصحافيين وصناع القرار والسياسيين، والذين يصل عددهم إلى 50.000.

في الواقع، أعطى اتحاد مشكل من 17 صحيفة دولية، من ضمنه جريدة لوموند الفرنسية، والغارديان البريطانية، وواشنطن بوست الأمريكية، صدى عالمي لاستنتاجات استخلصتها منظمتا فوربيدن ستوريز (Forbidden Stories) ومنظمة العفو الدولية. موضوع التحقيق: برنامج متطور، يسمى بيغاسوس (Pegasus)، من صنع شركة NSO الإسرائيلية. يتم تقديم بيغاسوس الشهير كبرنامج تجسس قادر على الوصول، بشكل غير قابل للكشف، ليس فقط إلى جميع البيانات الموجودة في الهاتف الخلوي، من الصور ومقاطع الفيديو وأرقام الهواتف والرسائل المتبادلة في التطبيقات الآمنة مثل واتساب، ولكنه قادر على تشغيل الكاميرا والميكروفون من أجل مشاهدة محيط الشخص المستهدف والاستماع إلى محادثاته حتى عندما يكون الهاتف مغلقا.

هذه هي مزايا هذا البرنامج التي تعرف عليها المغاربة بالفعل خلال أول محاولة قامت بهذه الصحف الدولية في يوليوز 2020. في ذلك الوقت، ادعت منظمة العفو الدولية في تقرير نشر في 22 يونيو 2020 عبر موقعها على الإنترنت أنها أخضعت الهاتف الخلوي للصحافي عمر راضي لخبرة واكتشفت أنه مستهدف من قبل برنامج بيغاسوس. مسلسل الصيف الماضي لم يثر أي حماسة بين القراء لأنه لم يكن مدعوما بأي دليل. وقد طلبت السلطات المغربية من منظمة العفو الدولية تقديم دليل على اتهاماتها. بعد عام، ما زال المغرب ينتظر هذه الأدلة الشهيرة.

في يوليوز 2021، لم يعد الأمر يقتصر على شخص واحد، بل 50 ألفا، اخترقت هواتفهم أو استهدفت من قبل 11 دولة، بما في ذلك المغرب. وكتبت صحيفة لوموند في مقال نشر يوم 18 يوليوز أن "عدة آلاف من أرقام الهواتف في الرمز الفرنسي 33+، استهدفها برنامج بيغاسوس، الأغلبية من قبل دولة "حليفة" لفرنسا، وهي المغرب".

وتحدد فرانس أنفو، وهي أيضا عضو في هذا الاتحاد المشكل من 17 صحيفة، في مقال نشر يوم الاثنين، 19 يوليوز، أنه من بين 50000 رقم للهاتف المحمول يمكن أن تكون قد تعرضت للتجسس عليها، 10 آلاف رقم تم التجسس عليها من قبل المغرب! وتقدم فرانس أنفو قائمة تتكون أساسا من أرقام صحافيين. في قائمة الأهداف المحتملة هذه، نجد أرقام "بعض زملائنا الذين لم يتناولوا مطلقا مواضيع تتعلق بالمغرب"، بحسب زعم فرانس أنفو.

من الغريب أن نرى الرباط تتجسس على صحافيين لم يتطرقوا في حياتهم إلى موضوع يتعلق بالمغرب. من بين الصحفيين الذين قيل بأنهم استهدفوا من قبل المغرب، كثيرا ما يذكر اسم إريك زمور. تحدثت صحيفة لوموند وفرانس أنفو عن اختراق هاتفه الخلوي في 2019. لكن كيف يمكن لإريك زمور أن يثير اهتمام المغرب في 2019؟ في ذلك الوقت، لم يكن هناك حتى أي حديث حول احتمال ترشيحه للانتخابات الرئاسية في فرنسا. اللهم إذا كانت لبرنامج بيغاسوس أيضا القدرة على التنبؤ بالمستقبل، فلا يوجد سبب للرباط للتجسس على إريك زمور.

سبب آخر للدهشة. كتبت لوموند أن "أنشطة NSO تسلط الضوء جزئيا على التقارب الأخير للدولة العبرية مع المملكة العربية السعودية أو المجر أو المغرب". إذا صدقنا ما تقوله الصحيفة الفرنسية الرائدة، فقد وافق المغرب على توقيع اتفاقات أبراهام لغرض وحيد هو الحصول على برنامج التجسس بيغاسوس. لذلك فإن هذا البرنامج سيكون أكثر أهمية من اعتراف واشنطن بسيادة المملكة على صحرائه!

وردا على سؤال من لوموند، فإن الرباط "ترفض رفضا قاطعا هذه الادعاءات" التي تتحدث عن وجود "علاقة بين المغرب وشركة NSO الإسرائيلية".غير أن رأي الرباط الذي ينفي بشكل قاطع هذه الاتهامات تم تجاهله، ليس من خلال تقديم الأدلة، ولكن من خلال الشعور القوي بأنه متورط وهو ما يؤكد إمعان الجريدة في النيل من سمعة المغرب.

والأدهى من ذلك أن لوموند تعمدت إبقاء قراءها في حالة ترقب بقولها إن هذه الصحيفة ستنشر أخبارا حصرية "اعتبارا من 18 يوليوز، في سلسلة من الأخبار المقررة على مدار الأسبوع". ربما ينبغي أن ننتظر حتى نهاية المسلسل لمعرفة الأدلة التي تمتلكها لوموند وفرانس أنفو لتوجيه اتهام رسمي للمغرب بالتجسس على 10000 شخص.

لأنه حتى الآن، لا يوجد دليل على ما كتبته لوموند وفرانس أنفو. بل إن لوموند تتجاوز دائرة الصحافيين بتأكيدها أن "دبلوماسيين، وموظفين كبار، و منتخبين استهدفوا: فبرنامج الشركة الإسرائيلية مكن المغرب، بسعر منخفض، من استهداف أجزاء كاملة من جهاز الدولة ببضع نقرات فقط ". ما الدليل الذي تستند إليه هذه الادعاءات؟ تستند على منظمتي "فوربيدن ستوريز ومختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، اللتين تمكنتا تقنيا من تحديد مدى نجاح الإصابة ببرنامج بيغاسوس".

"مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، الشريك التقني للكونسورتيوم الذي شكلته فوربيدن ستوريز، يقدم تأكيدا لا جدال فيه على أنه بعد اختيارهم، على اختراق الهواتف وأنه تم التجسس على فرنسيين"، بحسب ما ادعته فرانس أنفو.

كم عدد الهواتف المحمولة التي تمكن المختبر الشهير (Security Lab) من تحليلها؟ يقول اتحاد الصحف إن 67 من أصل 50000 هاتف تم اختبارها بواسطة مختبر الأمن و37 أظهرت علامات بوجود اختراق ببرنامج بيغاسوس. بعبارة أخرى، سمحت فوربيدن ستوريز لنفسها باستخلاص استنتاجات وبالتالي توجيه الاتهام إلى ما لا يقل عن 11 دولة، بناءً على عينة تمثل 0.00074٪ من قائمة الهواتف التي حصل عليها هذا الاتحاد. على أقل تقدير، إنه رقم ضعيف جدا.

بالإضافة إلى الافتقار للأدلة المقدمة بشأن 10000 رقم، يمثل اتحاد الصحف تكلفة خيالية بالنسبة للمغرب. وبحسب فوربيدن ستوريز، استثمر المغرب 640 مرة 8 ملايين دولار. أي 5.1 مليار دولار. أي شخص عاقل يمكنه أن يصدق مثل هذه الترهات! مجموعة NSO الإسرائيلية "نفت بشدة هذه الاتهامات الكاذبة" الواردة في تحقيق 17 وسيلة إعلامية دولية. وكتبت عبر موقعها على الإنترنت إنه تحقيق "مليء بافتراضات خاطئة ونظريات غير مؤكدة، المصادر قدمت معلومات ليس لها أساس واقعي"، موضحة أنها تفكر في تقديم شكاية من أجل القذف.

ونظرا لعدم وجود أدلة تقدمها هذه الصحف الدولية، فمن المحتمل أن يكون مصير المسلسل الصيفي هو نفس مصير مسلسل الصيف الماضي: الافتقار التام للحماس.

تحرير من طرف محمد بودرهم
في 19/07/2021 على الساعة 11:28