بحضور عثمان الفردوس، وزير الثقافة والشباب والرياضة، قدم فيصل العرايشي، استعرض العرايشي أوجه مبادرات التنسيق القائم ما بين مكونات القطب العمومي، ممثلة في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وشركة الدراسات والانجازات السمعية البصرية (صورياد دوزيم)، رغم أن هذا القطب ليس قائما، بعد، بشكل قانوني ورسمي، وأبرزها التنسيق في ما يهم شراء الحقوق، واعتماد التنقلات المشتركة بغرض تغطية الأحداث الهامة، واعتماد الاستغلال المشترك للمعدات.
أداء استثنائي في سياق تنافسي شديد
وبعد تذكير فيصل العرايشي بمختلف التحولات التي شهدها القطاع السمعي البصري المغربي منذ تحريره بإنهاء احتكار الدولة للمجال، وما أفضى إليه ذلك من تشكيل القطب السمعي-البصري العمومي من خلال تجميع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وشركة "صورياد دوزيم" في إطار قطب واحد متنوع ومتكامل سمته تنويع عرض الخدمات السمعية البصرية، وقادر على رفع تحدي التنافسية، سيما في ظل تعدد الفاعلين الإعلاميين، أبرز أن القطب العمومي يعد عنصرا مهما في النسيج الاقتصادي والصناعي الوطني بتشغيله لحوالي 2600 شخص (2018 في الشركة الوطنية والباقي في دوزيم) دون احتساب مختلف المتعاونين وفئات الفنانين والمواهب.
وأضاف المتحدث أن القطب العمومي يعمل في سياق تنافسي قوي يتكون، على مستوى التلفزيون، من أكثر 1200 قناة فضائية، وعدد مهم من الوسائط الإعلامية الجديدة، التي تتوجه إلى المغاربة، غير أن خدمات القطب العمومي الوطني سمحت له بأن يحتل مكانة متميزة لدى المواطن، وأن يكون الوسيلة الإعلامية الأكثر تأثيرا على المغاربة، باستفراده بـ51.5 في المائة من نسب المشاهدة خلال سنة 2019، وهي النسبة التي ترتفع إلى 81.9٪ في فترة الذروة خلال شهر رمضان.
واعتبر العرايشي أن تلك النسبة تظل معدلا استثنائيًا جدًا في العالم، إذ على سبيل المقارنة، في سنة 2019 بلغت نسب المشاهدة للقطب العمومي في الشرق الأوسط 8.1٪ في المتوسط (13 دولة في المنطقة)، وحوالي 27.2 في المائة في 33 دولة أوروبية، ما جعل القطب العمومي المغربي يحتل المركز السادس بين ما يقرب 100 دولة في بحث يضم أكثر من 7000 قناة في العالم.
وأضاف الرئيس المدير العام أن هذه المكانة المتقدمة للقطب الإعلامي العمومي المغربي، لا تنف وجود إكراهات تواجهه على غرار مختلف الأقطاب العمومية عبر العالم، ومنها اقتسام وتنازع نسب المشاهدة، واعتماد استراتيجيات الباقات السمعية البصرية، واحتدام المنافسة وتضاعف القنوات والوسائط الإعلامية، وارتفاع تكاليف المضامين، والانتشار المتزايد للأنظمة الرقمية، وأخيرا شح الموارد، مما يتطلب تضافر جهود التنسيق دائما في إطار القطب العمومي مع الحفاظ على هوية كل قناة على حدة.
إلى ذلك، استعرض المتحدث ذاته مؤشرات نجاح الخدمات المقدمة من طرف الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ومنها وجود 15 مليون مشاهد يوميا لقنوات الشركة، أي بنمو إضافي يبلغ 2 مليون مشاهد مقارنة بـ2018 (+15 في المائة)، كما أن قناة "الأولى" وبفضل تنويع برامجها تسير بطموح أن تكون القناة الجامعة والعائلية بامتياز، فـ50 % من جمهورها شباب تقل أعمارهم عن 35 سنة.
وأضاف العرايشي أنه بينما كانت لأكثر من 3.4 مليون مشاهد صلة بقناة "تمازيغت"، فإن قناة "الرياضية" شاهد 4.7 مليون مشاهد برامجها للحظة على الأقل في 2019، وتسجل أفضل متابعة لها خلال عطل نهاية الأسبوع بمشاهدتها من طرف 5.3 مليون مشاهد، في وقت تمكنت القنوات الإذاعية للشركة الوطنية من الوصول إلى 7.1 مليون مستمع، وحصدت 26.5 في المائة من مجموع نسبة الاستماع للإذاعات بالمغرب.
تطور تكنولوجي بكفاءات 100 % مغربية
ولم يفوت الرئيس المدير العام فرصة التواصل مع أعضاء لجنة مراقبة المالية العامة، دون لفت الانتباه إلى مسألة في غاية الأهمية، وتتمثل في أن تنويع العرض الخدماتي الإعلامي العمومي، بالانتقال من قناة واحدة في عهد الإذاعة والتلفزة المغربية (RTM) إلى باقة من 08 خدمات تلفزية و04 إذاعات وطنية و11 محطة جهوية، واعتماد البث الفائق الدقة (HD)، والتلفزة الرقمية الأرضية (TNT)، ومضاعفة عدد الوحدات المتنقلة، وتعميم التغطية على التراب الوطني، تم بموارد بشرية أقل عددا مقارنة بفترة ما قبل التحول إلى الشركة الوطنية (2300 موظف في RTM مقابل 2018 مستخدم في SNRT)، ولكن بمردودية أعلى وكفاءة استثنائية وخبرة 100 % مغربية، إذ أن مختلف مشاريع التطوير والتحول لم يتم اللجوء فيها إلى أي خبرة خارجية، مع ما يعنيه ذلك من ترشيد لنفقات المالية العمومية، علما أن ميزانية القطب العمومي المغربي أقل بكثير مقارنة مع الأقطاب العمومية في الدول القريبة.
وتطرق العرايشي إلى التوجه الاستراتيجي للقطب العمومي، متمثلا في مواصلة تجسيد مهام الخدمة العمومية، وتعزيز موقعه الريادي على مستوى نسب المشاهدة، وبلورة عرض عمومي متنوع يتميز ببرمجة تتسم بالقرب ومتجذرة محليا، وتطوير مجال البث التلفزي وتوظيف تقنيات البث الرقمية على الخصوص، لمواجهة هيمنة الفضائيات، مع جذب المزيد من الاهتمام إلى الخدمات التي يوفرها، وتطوير وتنويع مواردها الخاصة بالمساهمة في تطوير وتعزيز سوق الإشهار، واعتماد هيكلة تنظيمية منسجمة ومندمجة كفيلة بتحقيق التنسيق الضروري وبلوغ الأهداف الاستراتيجية المرسومة.
وفي هذا السياق، كشف العرايشي أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أنشأت بنية "الحلول الرقمية"، مختصة في تنفيذ المشاريع وتقديم الدعم والمواكبة اللازمين لضمان وجود رقمي فريد ومبتكر مع تجربة مستخدم غنية وجذابة تتيح سهولة الوصول إلى المحتوى، وهي البنية التي ستمكن الشركة من الإطلاق الوشيك لمنصة المعلومات الرقمية "SNRT NEWS"، وتنفيذ حل مغربي 100 في المائة للفيديو بالطلب، وشاشة رقمية ثانية، تتكيف مع الجمهور المستهدف، خاصةً الشباب، من خلال منصات رقمية مخصصة.
وتأتي هذه الخدمات الجديدة لتعزز حصيلة المنجزات في مجال الحضور المهم على مستوى شبكات التواصل الاجتماعية، والتطبيقات الموجودة حيز الخدمة، والتي حققت نجاحا لافتا، وأبرزها تطبيق "SNRT LIVE" للبث المباشر والمجاني لـ7 قنوات تلفزية و15 محطة إذاعية وطنية وجهوية، والذي حقق ما يتجاوز 3.4 مليون من التنزيلات في كل أنحاء العالم التي يتواجد بها المغاربة وحصل على جائزة أفضل ابتكار رقمي في إفريقيا خلال سنة 2018، وتطبيق "البطولة"، الذي يعد التطبيق الرسمي الأول والوحيد المخصص لبطولة كرة القدم المغربية، وحمله أكثر من مليون مستخدم.
وفي ما يخص الحكامة الجيدة، أعطى العرايشي لمحة عن أعمال المجلس الإداري للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة واللجان التابعة له خلال الفترة 2012-2020، التي عالجت مجموعة من القضايا الاستراتيجية، مشيرا بخصوص تدبير المؤسسة ماليا وإداريا، أن الشركة الوطنية، باعتبارها مرفقا عموميا، تشتغل وفق نموذج اقتصادي قائم على المساهمة المالية للدولة، والتي يعد مستوى تطورها منذ 2012 نتيجة لتقلص عائدات رسم النهوض بالفضاء السمعي البصري الوطني، وانخفاض مساهمة ﺻﻧدوق النهوض ﺑﺎﻟﻔﺿﺎء اﻟﺳﻣﻌﻲ اﻟﺑﺻري الوطني (FPPAN)، بعد تعديل المقتضيات المتعلقة برسم النهوض بالفضاء السمعي البصري الوطني (TPPAN) بالفصل 10 مكرر من قانون مالية 2012.
انفتاح على القطاع الخاص وتحسين مناخ الأعمال
إلى ذلك، استعرض فيصل العرايشي مختلف المؤشرات المتعلقة بالموارد البشرية للشركة الوطنية (2018 عامل، 36 في المائة منهم إناث)، وأرقام المشاريع المنجزة في مجالات التكوين والتجهيزات التقنية والمعلوماتية والتطورات التكنولوجية في البث وأنظمة المعلوميات، ليؤكد بخصوص الاستثمار أن انخفاض عائدات رسم النهوض بالفضاء السمعي البصري الوطني وصندوق النهوض بالفضاء السمعي البصري الوطني خلال الفترة 2012-2014 أثر على مستوى الاستثمار، الذي بلغ مجموع غلافه المالي 1029 مليون درهم خلال الفترة 2012-2019 بمعدل 129 مليون درهم في السنة.
وأكد الرئيس المدير العام بخصوص الاستثمارات الإشهارية أنها تأثرت بالظرفية الاقتصادية غير الملائمة منذ 2012، فقد سجلت انخفاضا تدريجيا سنة بعد أخرى بسبب عوامل هي: المعايرة الجديدة للإشهار بموجب مقتضيات دفتر تحملات سنة 2012، وظهور ممارسات منافية للمنافسة الشريفة في غياب التنظيم والتقنين، والظرفية الاقتصادية الصعبة التي تدفع المعلنين ووكالاتهم إلى الزيادة في تحكيم الميزانية الخاصة باستثماراتهم، وفي الآونة الأخيرة الأزمة الصحية المترتبة عن تفشي وباء كوفيد 19.
وفي سياق آخر، أوضح الرئيس المدير العام بخصوص العلاقة بين الدولة والمؤسسة، أن الدولة أبرمت عقديْ برنامج مدة كل واحد منهما ثلاث سنوات مع الشركة الوطنية يغطيان الفترات 2006-2008 و2009-2011، وهدفا، إلى تقوية موقع الشركة في ميادين التلفزة، والإذاعة، والبث، والإنتاج والإشهار، ومواصلة المجهودات في مجال التطوير، وبحلول 2012، ورغم اعتماد دفتر جديد للتحملات، لم يوقع أي عقد برنامج جديد، علما أن الشركة الوطنية قامت بتقييم تكاليفها الإضافية بالطريقة الأمثل وباشرت مفاوضاتها مع مديرية المقاولات العمومية والخوصصة، الميزانية، وبحضور الوزارة الوصية، وأرسلت مقترحات عقود برامج أعقبتها اجتماعات لم تفض إلى نتيجة إلى غاية تاريخ اليوم.
إلى ذلك، أبرز العرايشي، في محور الانفتاح على القطاع الخاص وتحسين مناخ الأعمال، أن الشركة اعتمدت نظامها الخاص الجديد المتعلق بشروط الحصول على السلع والخدمات، وانسجاما مع مقتضيات المادة 15 من دفتر التحملات، والتي تنص على أن تقيم الشركة الوطنية علاقة متوازنة بين الانتاج الخارجي والانتاج الداخلي بتخصيص حصة 40% لشركات الانتاج الخاص من المدة الزمنية الاجمالية للإنتاج الوطني، بلغ حجم الإنتاج التلفزي الخارجي بالشركة الوطنية بين سنتي 2012 و2020 حوالي 9090 ساعة موزعة على 860 برنامج، ووصل عدد شركات الانتاج التي تعهدت بتنفيذ إنتاج هذه البرامج 178 شركة، بتكلفة مالية ناهزت 1.851.858.591 درهما.