نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في عددها الصادر يوم الجمعة 21 غشت مقابلة مع المؤرخ بيير فيرمران تحت عنوان "الوضع في المغرب الكبير قابل للانفجار". في الواقع العنوان مضلل، لأن الأمر لا يتعلق إلا بالمغرب في هذه المقابلة الطويلة. الخبر الذي أثار هذا الموضوع هو العريضة الموقعة من قبل "عدة مئات من الفنانين والمثقفين المغاربة الذين ينتقدون تراجع حرية التعبير للمعارضين في البلاد"، على حد تعبير "لو فيغارو".
وتدين العريضة التي تحمل عنوان "هذا الظل هنا"، "القمع الأمني" و"التشهير" الذي أصبح مألوفا في وسائل الإعلام. ويشير النص إلى "عدة حالات من الاعتقال السياسي والمضايقات والقمع، بما في ذلك اعتقال الصحفيين عمر الراضي وهاجر الريسوني، فضلا عن القمع الذي تعرضت له الحركات الاجتماعية".
إذا كان من بين الموقعين على هذه العريضة بعض المبدعين المعروفين، مثل الشاعر عبد اللطيف اللعبي، فإن غالبية الموقعين ليسوا فنانين بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكنهم في الحقيقة مجرد أصدقاء الفنانين أو أشخاصا يأملون في أن يصبحوا فنانين.
البيان الصحفي الخاص بهذه العريضة كان مرفقا برسم تظهر فيه شعلة. إنها مصادفة غريبة بين هذا الرسم وبين "الوضع المتفجر" الذي تحدث عنه بيير فيرمران. والأدهى من ذلك أن البيان الصحفي لـ"400 فنان" كان يتضمن عبارات تدعو إلى أعمال خليقة بحرب العصابات. فالموقعون على العريضة استعملوا العبارات التالية: "انشروا العريضة! اطبعوها! علقوها في الأماكن العامة وأرسلوا لنا صورة البيان المعلق!" وكذا العبارة التالية: "اليوم يهاجمون الصحفيين. غدا سيهاجموننا واحدا تلو الآخر. لنكن جاهزين! فلننظم أنفسنا!".
إنها دعوة صريحة للانتفاضة والعصيان المدني وكأننا في فيلم "في رمزا للثأر". وهذه هي الدعوة التي نقلتها يومية "لوفيغارو" اليمينية، والتي يكتب فيها كتاب يعلنون عداءهم لأي عمل حرب عصابات، مثل الكاتب الصحفي إريك زيمور.
من يقف وراء العريضة؟
عندما سئل عمن يقف وراء هذه العريضة، اعترف العديد من الموقعين بأنهم يجهلون من يقف وراءها. لكن جميعهم وصفوا تجييشا وتنظيما شبه عسكري لجمع التوقيعات. أحدهم وصف الوضع كما يلي: "رفضت التوقيع لأول مرة. تولى شخص آخر المهمة لإقناعي وعندما فشلت المحاولة، اتصل بي شخص ثالث ورابع ثم خامس. في النهاية وصلوا إلى مبتغاهم". وقال أحد الموقعين التائبين عن "المحاولات المتعددة للاستدراج باستعمال جميع الحجج التي يصعب مقاومتها".
تحدث عدد من الفنانين الذين تم الاتصال بهم ورفضوا التوقيع على العريضة عن "المضايقات" التي تعرضوا لها.
وإدراكا منهم لاستغلالهم من خلال التوقيع على العريضة التي تدعو إلى العمل المباشر، طالب العديد من الموقعين المغرر بهم بسحب توقيعهم. لكن بدون جدوى! الشخص الذي قدم لهم العريضة يجهل هو نفسه هوية الجهة المبادرة. بعدما تبين لهم أن رفض طلبهم بسحب توقيعاتهم، قام بعض الموقعين، مثل الفنان التشكيلي مبارك بوحشيشي، بإعلان سحب توقيعه على العريضة المذكورة في تدوينة على صحفته على الفايسبوك.
من بين المبادرين لإطلاق عريضة "400 فنان" يبرز باستمرار اسم مخرج سينمائي شاب يدعى نادر بوحموش. إذا كان الأخير لم يقم بعد بإثراء التراث الفني بأي عمل يستشهد به، فهو معروف جيدا لدى البوليساريو. في عام 2014، وقع عمودا بعنوان "لماذا أنا مغربي يدعم الشعب الصحراوي؟" والذي تم نشره على نطاق واسع من قبل وسائل الإعلام الجزائرية. هل كان وحده المبادر لإطلاق العريضة؟ على أية حال، فإن التقنيات التي تم استخدامها لجمع التوقيعات والدعوة إلى إثارة الفوضى، والتي وردت في البيان الصحفي، هي تقنيات خاصة بالهيئات التي تهدف إلى زعزعة استقرار الدول. يتم تدريس هذه التقنيات من قبل مؤسسات، مثل مؤسسة بيرتا (Berta Foundation)، التي تخدم أجندات معينة بالتخفي وراء ستار حقوق الإنسان.
© Copyright : DR
وبحسب معلوماتنا، يمكن للنيابة العامة فتح تحقيق في البيان الصحفي المصاحب لعريضة "400 فنان". وقد تم تقديم عريضة مضادة من قبل عدد من الفنانين المغاربة الذين لا يوافقون على محتوى العريضة. تمكن Le360 من الاطلاع على قائمة الموقعين على العريضة المضادة، وبعضهم من رواد الفن في المغرب، والتي لا تضم اسما واحدا لمندس أو منتحل صفة فنان أو مبدع، بخلاف عريضة "400 فنان".
أما بالنسبة لبيير فيرمران، فهو يعلن منذ سنوات عن زلزال سيحدث في المغرب. والشيء المضحك هو أن هذا المؤرخ الذي يدعي التحليل الموضوعي يعتمد على أخبار زائفة تنشر على الشبكات الاجتماعية. ويذكر في مقابلته أنه "خلال عيد الأضحى، نهبت سوق في الدار البيضاء وحصل الناس على أغنامهم دون أن يدفعوا أجرها. ومؤخرا، تم نهب شاحنتين كانتا تحملان مشروب كوكاكولا في الدار البيضاء". وفي الحقيقة، لم يتم نهب أي شاحنة لتوصيل المشروبات هذا العام في الدار البيضاء. من الواضح أن المصدر المغربي لبيير فيرمران معروف بميله إلى تحريف الوقائع التاريخية.
أثارت عريضة "400 فنان" ضجة حتى الآن. لكن الملف لا زال في بدايته وهناك موجة تسونامي آتية لا محالة ستغير المعطيات، لا سيما في مجال الفنون التشكيلية والسينما الذي يتحكم فيه المال.