يُعدّ بلعباس واحداً من المخرجين المغاربة القلائل الذين تحبل تجاربهم السينمائية بالعديد من المفاهيم ذات الصلة بالمجتمع. فأفلامه السينمائية لها القدرة على الغوص في قاع المجتمع المغربي والكشف عن مآزقه وتصدّعاته عبر مشاهد سينمائية مؤثّرة في صُوَرها وقادرة على انتزاع صورة حقيقية ليست محاكاة للواقع، بقدر ما تبحث لها عن أفق جمالي آخر. وتعتبر تجربة حكيم بلعباس نموذجاً للمخرج السينمائي الذي حرص من خلال أفلامه الوثائقية أنْ تصبح لها بصمته الجمالية الخاصّة سيما على مستوى الصورة وجمالياتها. إذْ تبرز قيمة أفلامه في كونها تُقدّم مزيجاً جمالياً بين الفيلم الوثائقي والروائي. بحيث تقوم أفلامه على خلطةٍ سينمائية مُدهشة ترّج باب الحداثة السينمائية وتبحث لها عن جماليات جديدة، انطلاقاً من المدخل البصري.
تتميّز تجربة بلعباس بقُدرتها على النفاذ في عمق المجتمع والبحث لها عن قصص واستلهام حكايات نابعة من الواقع المغربي. غير أنّ هذا التعامل مع الواقع في أعماله السينمائية لا يأتي بشكل تلقائي، وإنّما تحكمه رؤية دقيقة لمفهوم الواقع وكيف يمكن أنْ نتأمّله سينمائياً. لذلك تأتي أفلامه باعتبارها تمثل امتداداً عميقاً للواقع بكل ما يحبل من أهوال وتصدّعات. إنّ الصورة في سينما بلعباس تُفكّر ولا تُصوّر بشكل ميكانيكي الواقع، ما يعني أنّ منطلقاتها فكرية وتقوم على وحدة فكرية تتأمّل الواقع قبل تصويره.