تأتي قيمة هذه الدراسة في كونها لا تنشغل بجملة الموضوعات التي باتت تحتل ناصية كبيرة من البحث النقدي في مجا الرواية، بل يعمل عبد اللطيف محفوظ على « فلسفة » النقد وجعله عبارة عن عملية فكرية تحفر مجراها عميقاً في المتخيّل الروائي. وذلك على أساس أن النقد المعاصر أصبح يجد ملامحه أكثر في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية ويعمل على استلهام جملة من المفاهيم والنظريات التي تحوّل النص النقدي إلى مختبر معرفي للتفكير في بعضٍ من الإشكالات والقضايا التي تطال الكتابة الروائية. على هذا الأساس تحظى كتابات صاحب « رهاب متعدد » بأهمية كبيرة لكونها لا تعمل على محاكاة النظريات الغربية ولا تشغل نفسها بالإسقاط المفاهيمي الذي يحوّل المؤلفات إلى نصوص جافة لا تتنفّس الابداع والابتكار من ناحية الكتابة والتفكير.
يقول محفوظ « إنّ التحديدات المطوّرة لمفهوم البناء نادرة منذ أن فقدت البنيوية بريقها بفعل تحولها إلى مجرّد آليات تصف دون القدرة على التحليل أو بناء دلالات أي منذ ساد الاعتقاد بأنه بالإمكان تحليل النصوص بعيداً عن الاهتمام الموازن بين المعنى وبين الشكل ودلالته. وقد أدى غياب هذا الوعي إلى انحياز الباحثين والنقاد إلى منهج بديلة، إما تهمل البناء تماما أو تضمر معالمه في تجسيداتها التي تحتفي أكثر بالمحتويات الناتجة عن أثر التأويل. ومن المؤكد أن إعادة النظر في مفهوم البناء وفق مقاربة تروم تجديد النظر في العلاقة القائمة بين الفكر الباني وشكله المُظهر ودلالاته، يدخل في حقل فلسفة الرواية وذلك لعدة اعتبارات.
من هذه الاعتبارات مثلا يذكر محفوظ « إن أي بحث في الفكر المجرد اباني يأخذ الشكل لا محالة في حسبانه وهذا ما تعلمناه مع نظريات الرواية الرصينة ومن الفلسفة الحديثة بخاصة حيث يغدو شكل الفكر هو تعبير عن ماهيته وذلك سواء أتعلق الأمر بالفكر العقلاني أم بالفكر التجريبي أم بالحدس. فكل نمط يدل على شكل معيّن. ولذلك فكل بحث يستشكل أمر الفكر الباني وعلاقته بالشكل المتمظهر، هو بالضرورة فلسفة ».
