ليست المرّة الأولى التي تشتغل فيها المخرجة المسرحية أسماء هوري على نصوص الشاعر عبد الله زريقة، إيماناً بقُدرة هذا الشاعر الاستثنائي على كتابة نصوص مسرحية مؤثّرة بموضوعاتها ومثيرة بشكلها الفرجوي. ويحرص عبد الله زريقة في مسرحياته أنْ يعطي للجسد إمكانية للتعبير عن بعض من القضايا والإشكالات التي تطال الواقع. فقد حرص في مسرحيته « مدينتي لي » على مساءلة فضاء المدينة والقهر الذي باتت تعيشه في الآونة الأخيرة عبر نقدٍ دقيقٍ لمختلف أشكال القبح في الفضاء العام وأيضاً لمختلف الخطابات السياسية الواهية والمتشنّجة.
إنّ الكتابة المسرحية عند صاحب « سلالم الميتافيزيقا » عبارة عن تفكير مسبق في الذات خلال لحظات معاناتها وألقها وتشظيها. فهذا الانتقال من الشعر إلى المسرح عند زريقة يُتيح له إمكانات مذهلة من ناحية التفكير وتحويل تحويل الأفكار إلى مَشاهد مسرحية مؤثرة بلقطاتها واكسيسواراتها وحواراتها التي تأتي في الغالب على شكل صرخة تجاه الواقع المزري بمختلف مرجعياته وتمظهراته. فإذا كان الشعر عبارة عن جنس أدبي يروم إل الترميز وتبطين المعنى، فإنّ العمل المسرحي أداة فنية تتوخى الإظهار لتحقيق بعض من الفرجة التي هي في أساسها عماد العملية المسرحية.
ليس في نصوص عبد الله زريقة ما يستحقّ متعة القراءة والتأمّل، وإنّما أيضاً الإمكانات الفنية التي تحبل بها المخرجة أسماء هوري، باعتبارها من التجارب الفنية القوية ذات البعد التجريبي. وتحرص هوري في أعمالها مع زريقة على وضع النصّ في قالب المسرح المعاصر، بحكم الطابع التركيبي الذي تتمتّع به رؤيتها الإخراجية في توظيف الموسيقى والشعر والرقص داخل قالب مسرحي مركّب. فهذا التوليف الفني في سيرة هوري يعطي لمسرحياتها بعداً جمالياً مؤثّراً في بنية المسرح المغربي ويجعل تجربتها قوية البنيان وشامخة التشييد، بحكم ما تتمتّع به من أسلوب مسرحي يجمع بين الفرجة والتفكير.