وحسب ما ورد في الكتاب، « عاش المغرب في أواسط القرن الماضي حركة هجروية في صفوف يهوده، قادتهم خارج حدود بلادهم، متجهين إلى بلدان مختلفة، على رأسها إسرائيل التي تأسست سنة 1948، حيث استوعبت الغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين، في إطار تقوية الرصيد الديمغرافي لهذه الدولة الوليدة، والتي لعبت الحركة الصهيونية دورا أساسيا في تأسيسها وتعميرها. لقد أسست حركة الهجرة، هذه، لظاهرة اجتماعية لم يشهد تاريخ المغرب مثلها، تمثلت في نزوح مكثف لليهود غيّر ملامح المجتمع المغربي، واقتلع الطائفة من وطنها الأصلي لتعيش حياة المهجر في البلدان الأوروبية والأمريكية وفي إسرائيل، التي عرفت نزاعا سياسيا وعسكريا، لا زالت أطواره مستمرة إلى اليوم ».
وحسب نفس المصدر « كانت لهذه الأحداث أصداء على الرأي العام بالمغرب، سواء منه المسلم أو اليهودي، فانعكس ذلك على جو التعايش الذي عهدته الطائفتان وعاشتا في أحضانه لقرون طويلة، وزاد من سعة الهوة بين الجانبين، فكان ذلك من دواعي تكثيف الهجرة إلى الخارج، مضافا إلى ذلك تأثير الدعاية الصهيونية وحنين عوام اليهود إلى «أرض الميعاد»، وكذا تطلعات الغالبية منهم إلى تحسين ظروفهم المعيشية عبر مسلك الهجرة والبحث عن «الذات» خارج الوطن ».
ويرى الباحث أنّ هذه هي الظاهرة التي استنهضت النخبة السياسية المغربية، مبكرا، فهبت للتعبير عن مواقفها حول وضعية يهود المغرب ومصيرهم في خضم عمليات التهجير التي استهدفتهم، وبرز، بذلك، خطاب سياسي يجعل من هجرة اليهود إلى الخارج موضوعه وقضية من قضاياه. فجاء الكتاب لتناول هذا الخطاب وتحليله، تحليلا نقديا، مكننا من الاطلاع على ظروف إنتاج هذا الخطاب، والسياقات الاجتماعية والسياسية المحيطة به، واستكشفا مضامينه واستراتيجياته، وكذا الرهانات التي يحملها ويرمي إلى تحقيقها، وكذا انعكاساته وتأثيراته« .
هذا ولم « تخل تجربة دراسة الهجرة المكثفة لليهود المغاربة، من مدخل التحليل النقدي للخطاب، من فرص تمكن الباحث من التوقف عند الرهانات السياسية التي واكبت عمليات التهجير، اعتبارا لحساسية الموضوع وتشعبه، كما سمحت التجربة بالتفاعل مع تاريخ الفكر السياسي المغربي المعاصر ومع النسق السياسي المغربي وكيفية اشتغاله ».




