يأتي هذا الكتاب الحميمي ليُسلّط الضوء صاحب « العشاء السفلي » باعتباره واحداً من الشعراء المغمورين في بلده والذي ساهم إلى حد كبير في تقديم كتابة مختلفة ومغايرة من ناحية النسق والتخييل. إنّ كتابات الشركي تحفر مجراها عميقاً في الجسد وترُجّ معها سلالات الكتابة. إنّ ما يميّز الشركي في كتاباته أنّه استطاع أنْ يجمع بين الشعر والرواية، مع أنّه يبدو في كتاباته وكأنه يكتب وفق نسق شعري متلازم وعياً منه بقيمة اللغة الشعرية في تقديم لغةٍ مغايرة حتّى وإنْ كانت داخل قالب سردي. هذا النّمط من الكتابة ميّز الشركي وجعله من الكتاب الذين يشعر معهم القارئ بلذة أدبية خالصة، أمام ركام الإنتاجات الثقافية التي لم تعُد تثير في القارئ أيّ سؤال فكري أو حتى نزوة عابرة في المناطق اليباب من جسدنا الإنساني.
في هذا الكتاب الجديد، يخلق بلقاسم لغته الخاصّة وهو يتأمّل سيرة الشركي فيما سمّاه بـ « أرض الحدود » مع أنّ كتابات الشركي نفسها تبدو منذ الوهلة الأولى تتجاوز كل الحدود والسياجات التي قد تضعها سلطة الكتابة. كما أنّ بلقاسم نفسه يُعد أحد أبرز الأقلام النقدية التي قدّمت إنتاجاً نقدياً مغايراً في مجال النقد الشعري عبر مؤلفات أصيلة تمتح مفاهيمها ونظرياتها لا من النظرية الأدبيّة فقط، بل تغوص عميقاً في بحر العلوم الإنسانية علّه يجد فيه بعضاً من الأجوبة عن أسئلته الحارقة حول نظام القصيدة وشجونها.
