استهلت المؤسّسة الحدث بتنظيم معرض فوتوغرافي يسترجع مسار فرقة تكادة عبر مراحل مختلفة من مسارهم الغنائي والمسرحي. إذْ يبرز المعرض قيمة الفرقة من الناحيتين الغنائية والمسرحية في توطيد مفهوم حداثة فنّية كان من الصعب بلورتها داخل بلدٍ ظلّ منذ سبعينيات القرن العشرين يتأرجح بين حداثة هائمة يصعب الخروج بها من بوثقة التقليد.
والحقيقة أنّ ما يُميّز المعرض هو قُدرته على المزج بين الماضي والحاضر، وإنْ الأوّل طاغياً على الثاني، بما يُضمر في خطابه البصري راهن الأغنية الشعبية وتراجعها في زمن غدت فيه الأغنية مجرّد أصواتٍ إلكترونية يتم تقديمها على أساس أنّها فنّ. كما أنّ هذه الصُوَر المعروضة لا تُقدّم فرقة تكادة لوحدها، بل مع شخصيات كبيرة طبعت الفنّ المغربيّ.
إنّ المعرض يتجاوز كونه مجرّد نوستالجيا تستعيد سيرة فرقة شعبية طوّرت ميكانيزماتها الغنائية وآلاتها الموسيقيّة وتكريس اسمها داخل ريبرطوار الفنّ في المغرب، بقدر ما يكون عبارة عن سفرٍ بصريّ يغوص في أحوال الذاكرة الفنية وشجونها وما لحق بها من تعفّن وتدمير، رغم توفّر الإمكانات المادية التي تجعل عملية تحسين المُمارسة الفنّية أمراً مُمكناً.
وفي غمرة الأصداء التي أتاحها المعرض بين الزوار والكتاب والإعلاميين، انطلقت أطوار الندوة بكلمة محافظ المكتبة التي ألقيت نيابة عنه بسبب ظروف صحية، أشار فيها إلى حجم العلاقة التي جمعته بهذه الفرقة ومتابعتها منذ السبعينيات. في حين استهلّ الدكتور حسن حبيبي مداخلته التي مزج فيها بين المنطلق العلمي والبُعد الوجداني، باعتباره من الأشخاص الذين رافقوا تشكّل هذه المجموعة الغنائية منذ السبعينيات داخل منطقة الحي المحمدي.
واعتبر حبيبي أنّه لا ينبغي الحديث عن تكادة، دون استحضار فرق أخرى ساهمت في تنشيط الحركة الفنّية بالسبعينيات، وجعلها تبحث لها عن هويةٍ جماليّة بعيدة عن ناس الغيوان وغيرها.
وهذه « الفرادة » كما عنونها صاحب كتاب « الطيبّ الصديقي.. قصّة مسرح » في مُداخلته تُترجم البُعد الجمالي المُضمر الذي تأسّست عليه الفرقة. بل إنّ حبيبي طرح سؤال قيّماً هاجس الفرادة التي وسم الفرقة، فخلُص إلاّ أنّ من سمات ذلك هو الاستمرار والبقاء على عرش الساحة الفنّية لأكثر من 50 سنة، عرفت فيها تكادة تقلّبات كثيرةٍ بين الفرح والّألم، بين الخفوت والشهرة، بين الصمت والجدل.
غير أنّها تحوّلات لم ترتبط بأصحاب « فين تعلمتيه » وبالفرقة نفسها، وإنّما كانت تُنبّه إلى السنوات العجاف التي ستعرفها الأغنية الشعبية، خاصّة حين يتعلّق الأمر بمثل هذه الفرق الغنائية التي كرّست نفسها لخدمة الفنّ الأصيل والترويج له، بوصفه فنّاً خاصّاً بالمغاربة، لأنّه يُعبّر عن واقعهم وتاريخهم وتراتهم.
واعتبر الجامعي حسن حبيبي أنّ من مُميّزات تكادة، كونها مزجت في سيرتها الإبداعية بين الغناء والمسرح لدرجة يصعب القبض عن حدود التقاطع والتلاقي في سيرتهما. وهذا الأمر، اعتبر عامل نجاح وبقاء للفرقة. والحقيقة أنّ هذه الازدواجية بين الغناء والمسرح في تجربة تكادة، كانت تأتي بشكلٍ تلقائي، انطلاقاً مما كانت تعرفه الفرقة في يومياتها من ممارسة فنية حقيقية ملتصقة بمسام الواقع المغربي.
أمّا مداخلة الباحث الحبيب ناصري، فقد انطلقت من قضية مركزيّة تتعلّق بـ « المحلية » التي وسمت فرقة تكادة بالذات، مُشيداً بدورها في تكريس هذه المحلية المُنتجة للأفكار، سواء عن طريق الكلمة أو الخطاب واللباس. واعتبر صاحب « الهجرة في السينما المغربيّة » أنّ تكادة لا يُمكن التعامل معها إلاّ باعتبارها مُختبراً لتوليد الأفكار والمفاهيم، بما يجعل أغانيها ومسرحياتها تُدرس كخطابٍ ثقافي متغلغل في بنية الثقافة المغربيّة، بحيث أنّ الكثير من ترسّبات الثقافة يبقى الفنّ قادراً على احتواء بعضٍ منها.
كما أنّ تكادة وبانتمائها إلى فترةٍ تاريخيّة مُهمّة عرفت تغييرات جمّة على المُستويات السياسية والاجتماعية والثقافيّة، تجعل إمكانية الحديث عنها كخطابٍ أمراً مُمكناً، مادامت أغانيها صلبة ومتينة وتعكس واقعاً محلياً غنياً بالدلالات والرموز التي تتحوّل مع تكادة إلى هويّة بصريّة قائمة. واعتبر الباحث أنّ الغوص في المحلية من لدن الفرقة، هو الذي قادها إلى الشهرة والتطوّر والبقاء. وبالتالي، فهي لم تنصع إلى عامل العولمة، بحيث ظلّت حريصة على الانتماء إلى مغربيتها وأصالتها.
وهو نفس الأمر، الذي انصرف إليه الأستاذ عبد الله لوغشيت في مداخلته حول السر الذي جعل من فرقة تكادة قائمة ومُحافظة على بُنيانها ومُرتكزاتها من خلال العديد من المرجعيات التي أسّست وعيها تجاه الأغنية والمسرح وطريقة تدبيرها للتاريخ المغربي وذاكرته، والأسباب التي أفضت بها بعد 50 سنة من البقاء والحفاظ على التنوّع في مسيرتها الغنائية والمسرحية.