حظي فيلم « بيت الحجبة » منذ عرضه أوّل مرة بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة بإشادة كبيرة من لدن النقاد والمخرجين، بحكم الإمكانات الجمالية التي طبعت الفيلم. وحرصت عنّاب في فيلمها هذا على أنْ تروي سيرة غناوة من خلال تتبّع المسار التراجيدي الذي تمُرّ منه آلة الكنبري. لكنْ إلى جانب فيلمها الوثائقي تمتلك جميلة عناب مؤهلات كبيرة في الكتابة وعوالمها الفكريّة من خلال العديد من المؤلّفات التي تندرج ضمن النقد السينمائي. فامتلاك هذه المفاهيم والنظريات والسياقات فضلاً عن كونها تُدرّس السينما، أتاح لها إمكانية لها رؤية خاصّة في النّظر إلى الوثائقي باعتباره شكلاً فيلمياً قادراً على أنْ يكون مُتحرّراً من ربقة المفاهيم الضيّقة التي عادة ما يُحنّط بها الوثائقي، لكنّه هنا يصبح أكثر تلقائية وتحرّراً في الانفتاح على الواقع وتحوّلاته.
قدّمت المخرجة عملاً وثائقياً مركّباً يبتعد كلّ البعد عن الطريقة التي بها يُصنع الوثائقي. إذْ رغم طبيعة الفيلم الوثائقي يبدو فيلم جميلة عنّاب أكثر إبداعاً وتخييلاً. ويتحدث الفيلم عن موسيقى غناوة ولكن بطريقة جديدة لم يسبق تصويرها بهذه الطريقة. فقد قاربت عناب الموضوع الموسيقي من وجهة نظرٍ شخصية تتبّعت فيها قصة رجل مع آلة السنتير والمراحل الجنينية التي تمُرّ منها هذه الآلة. بيد أن المخرجة تعاملت مع الآلة بوصفها كائناً حياً، إذْ تُصوّرها بشكل موازي مع الشخصية الرئيسية، ما يجعل المُشاهد لا يقيم أيّ حدود أو سياجات أثناء المشاهد، لكونه يُشاهد مراحل نمو الآلة وكأنّها كائنٌ حيّ.