تأتي قيمة هذا الكتاب في كونه يخرج مجال العلاقات الدولية من طابعه العملي المرتبط بالمعاهدات والاتفاقيات والشراكات، صوب التفكير المسبق في طبيعة هذه العلاقات الدولية والأسس التي ترتكز عليها. فقيمة النظرية كبيرة وتعطي للباحث في هذا المجال فهم المنطلقات المعرفية وذلك لأنّ كلّ حديث علمي عن العلاقات يُضمر في ذاته خطاباً معرفياً موازياً له علاقة بالعلوم الإنسانية ونظيرتها الاجتماعية، إذْ أنّ كل هذه العناصر المرتبطة بالجغرافيا والتاريخ والحدود والتشكيلية الاجتماعية والقوانين تعطي للباحث معرفة مسبقة عن البلدان الأخرى وتُساعده على فهم وضعياتها وسياساتها وقوانينها وعلاقاتها. ففي كلّ المجالات البحثية تساهم النظرية في رفع منسوب الإنتاج المعرفي وذلك لكونها عبارة تكون مؤطرة لمختلف عمليات التحليل الأخرى.
في تقديم الكتاب نقرأ « يُشكّل التنظير في العلاقات الدولية إحدى أهم المجالات المرتبطة بعلم السياسة الدولي. ويستحيل الحديث عن علم العلاقات الدولية دون البحث في الحوارات والنقاشات والمرتبطة بالمقترحات والنظرات المفسّرة للسلوك الدولي. فالنظرية في العلاقات الدولية تكتسي أهمية خاصّة في صناعة قرار السياسة الخارجية لكل دول العالم، حيث بذل العلماء والمفكّرون مجهوداً فكرياً مضنياً وتحليلاً دقيقاً للظواهر والأحداث والوقائع الدولية قصد استخلاص العبر والدروس والقوانين. ومن ثمّة بناء نظريات معرفية قابلة للتطبيق من طرف صنّاع القرار والقادة السياسيين ».
ومن المؤكّد « أنّ النظرية الواقعية الكبرى والنظريات الجزئية المتفرعة عنها تعتبر إحدى أهم النظريات العلمية والفكرية المهيمنة في العلاقات الدولية في العصر الحديث. وبالنّظر إلى مسلمات الفكر الواقعي المعاصر وإلى الثوابت المفسّرة للعلاقات الدولية في هذه النظرية، نستطيع القول بكل ثقة أن المدرسة الواقعية هي المدرسة التي استطاعت أن تحقق أفضل اتشار على المستوى العلمي وتتبوأ المرتبكة الأولى على سلم المجهود الفكري العالمي. ذلك لأنها استطاعت تحقيق نجاح منقطع النظير في تحليل وفهم السلوك الدولي وتقديم الحلول المناسبة للقادة السياسيين، قصد تبني أفضل القرارات بشأن القضايا والمشكلات الدولية واتخاذ أفضل المبادرات في التفاعل مع مستجدات الساحة الدولية. ومن الواضح اليوم أنّ كل دول العالم تستند بدرجات متفاوتة في سياساتها الخارجية على هذه النظرية ومقترحاتها الفرعية ».