تأتي قيمة هذا اللقاء المعرفي في كونه يُقرّب القارئ من بعض انشغالات فكر محمد نورالدين أفاية وقيمته الفلسفية، سيما على مستوى انفتاحه على بعض القضايا الفكرية المعاصرة مثل الزمن والصورة والفضاء العمومي والديمقراطية. فإذا استثنينا الأخيرة قلّما نجد المفكّرين المغاربة يهتمون بمثل هذه المفاهيم ذات الصلة بالواقع الذي يعيشون فيه. إنّ الوعي بتحوّلات الواقع في سيرة أفاية يبدو بارزاً بشكل كبير، ما يُفسّر اهتمامه بهذا المنزع الفكري الذي يجد منطلقاته المعرفية في الواقع وتحوّلاته. وتتميّز كتابات أفاية بقدرة على تأصيل مفاهيمها والبحث لها عن مقاربة مختلفة على مستوى التفكير. فكتاباته لا تظلّ رهينة بالمرجع الغربي، بقدر ما يُوسّع حدودها داخل بيئة عربية يتأمّلها ويُفكّر في شؤونها وأهوالها وتصدّعاتها.
يقول أفاية في كتابه هذا « تحتلّ مسألة الزمن في علاقتها برهانات التقدّم مساحة رئيسية في كلّ فصول هذا الكتاب، باعتبار أنّ الفكر في تمظهراته المختلفة يعرف قلقاً بسبب مفاجآت الأحداث واكتساح التكنولوجيات في تنوّع وسائلها واختراعاتها وتنامي التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية. وهي أسباب تضع المفكر اليوم في قلب إشكاليات لا تتوقف عن التبدّل وأمام اشتراطات نظرية ومنهجية متجددة تفرض ذاتها لإنتاج فهم مناسب لأسئلتها ولغاتها ورهاناتها، خصوصاً وأنّ التأثير الواسع الذي تمارسه وسائط التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الرقمية اليوم لا يتوقف عن إنتاج الشك في الوقائع، وعن نشر الضلال بطرق أسرع من قدرات من يملك بعض عناصر الحقيقة، مادام زمن الخطأ والخداع، في هذه المواقع له وتيرة متسارعة لا يضاهيه زمن الحقيقة ».