ويأتي هذا الاحتفاء كنوع من الاحتفاء بقيمة الرجل وبما كتبه من مؤلفات نقدية، ماتزال إلى حدود اليوم تشغل عدد من الباحثين العرب، بما قدمه من خدمات جليلةٍ إلى الثقافة المغربيّة منذ السبعينيات داخل مجال النقد الأدبي. ففي الوقت الذي كان فيه النقد الأدبي ينطلق من ثقافةٍ تكاد تكون فقهية عن طريق المدح والوصف، حرّر صاحب « أتكلّم جميع اللغات، لكن بالعربية » النقد من سطحيته، فاتحاً له آفاقاً جديدة عن طريق فعل التفكير، حيث يغدو النصّ مُفكّراً فيه، وليس مجرّد كتابة نقديّة وصفية تقف عند عتبات النصّ، فلا تستطيع أنْ تقتحم مكبوثه ومُتخيّله.
هكذا جاءت كتابات كيليطو في ذلك الوقت المُبكّر لتضع النصّ الأدبي على مُختبر التفكير الفلسفي والمناهج المعاصرة المُتداولة في الثقافة الغربيّة، مع العلم أنّ صاحب « والله إن هذه الحكاية لحكايتي » لا يتغوّل في الثقافة الغربيّة ونصوصها ومفاهيمها، بقدر ما يتعامل معها، باعتبارها منهجاً يُمكنّه من الحفر في التراث العربي القديمة وفكّ أسراره ومُتخيّله، ما جعله يصل إلى أشياء مُذهلة في تاريخ الثقافة العربيّة، بعدما غدت كتاباته تُمثّل مرجعاً هاماً في تحليل النصّ الأدبي، خاصّة فيما يتعلّق بالجانب الروائي وسوسيولوجيا الحكي داخل الأدب العربي القديم.
هذا وقد توالت طبعات كيليطو عن منشورات المتوسّط، بحكم ما غدت تفرضه من أسئلةٍ حقيقية لم يتمّ الانتباه لها سابقاً، بل أكاد أجزم أنّ الإقبال الذي حظيت به أعماله في الآونة الأخيرة، إلى ما تلمّسه القارئ المغربي من تواضع النقد وهشاشة الدراسات الأدبيّة المغربيّة التي يكون صداها أكبر من قيمتها الحقيقية، بعدما غدت مؤلّفاته ذات نفس إشكالي يُخلخل بنية النقد التقليدي وطرق كتابته وتحليله ومصادر.
يقول المفكّر عبد الكبير الخطيبي عن كتاباته « عندما يحدِّثنا كيليطو عن الحريري أو عن الجُرْجَانِيّ أو عن ألف ليلة وليلة، فإنه يسعى بالتأكيد إلى تحليل بنية المَقَامَة أو بنْية النحو العربي أو بنية الحكاية العجيبة، إلَّا أنه، إضافةً إلى ذلك، يُقدِّم لنا متعة مزدوجة: متعة قراءة هؤلاء الكُتَّاب، ومتعة قراءته هو بصفته ناقداً أدبياً. إنها متعة يَقِظَة وماكرة: إنها الابتسامة المُقلِقَة لهذا المحلّل».