تأتي قيمة هذا الكتاب في كون صاحبه يعد واحداً من أبرز الباحثين المتخصصين في التاريخ الراهن، فكتابه هذا، يدخل ضمن حفرياته التاريخية الخاصة بالمرحلة الاستعمارية، حيث استطاع من خلالها أنْ يراكم مجموعة من الأفكار المبنية على وثائق تاريخيّة تدحض الأطروحة الاستعمارية حول تحديث المجتمع المغربي.
غير أنّ أبيهي لا يعمل هنا على استعراض الأحداث التاريخية التي طالما كتب عنا الباحثون وإنما يجعل كتابه الجديد أشبه بمونوغرافية تاريخيّة دقيقة ترصد أهمية المقاومة الشرسة التي أبدتها قبائل احاحان في مواجهة الاستعمار ويعمل الباحث عبر مجموعة من الوثائق التاريخية على تأكيد مشروعه العلمي وتوضيح معالم ومسالك المقاومة والدور الذي لعبته في تأجيج فعل المقاومة داخل البادية المغربية.
يمتلك أبيهي عدّة مفاهيمية وسياحة طويلة في تاريخ المغرب، تجعله يستوعب جغرافيات التاريخ المغربي ويحاول عبر سياقات تاريخية معيّنة بناء مشروعه العلمي. والحقيقة أنّ ما يميّز كتابات الباحث أنّه يجعل كتابته تتجاوز الوصف والحكي التي طالما طبعت الكتابة المعاصرة، صوب نمطٍ من البحث التاريخي الذي يجعل من التحليل ركيزة أساسية في بناء مفهوم الحدث وشرعيته داخل سياقاته المختلفة.
إنّ الوعي بحداثة الكتابة التاريخيّة يبدو بارزاً في مسار محمد أبيهي، فهو يدحض بطريقة ضمنية الأطروحة القائمة في كون التاريخ مجرّد أحداث وقعت في الماضي وذلك لأنّ عودته إلى الماضي مجرّد عنصر منهجي لمحاولة إضاءة معالم مفهوم الحدث وقيمته وأثره داخل المرحلة الكولونيالية، لذلك تتحذ الكتابة فعل بناء معرفي يراكم عبره الباحث مجموعة من المعلومات ذات الصلة بتاريخ المقاومة المغربية.
