ويُعدّ صاحب « المهبول » أحد أبرز الأسماء الروائية العالمية التي تكتب الرواية بنفس مختلف ووعي قويّ بتحوّلات المجتمع المغربي وتصدّعاته. بل إنّ مؤلفات من قبيل « العودة إلى كازابلانكا » و »أسنان الطوبوغرافي » و »سيدة الرياض العجوز » تُظهر النفس الساخر الذي تتميّز به كتابات العروي داخل الرواية المغاربية إلى جانب الطاهر بن جلون وعبد اللطيف اللعبي. إنّ المُثير في سيرة العروي أنّه رغم كونه درس مجال العلوم من خلال الهندسة والرياضيات، إلاّ أنّه استطاع بسرعة أنْ يجد لنفسه طريقاً مُختلفاً داخل الأوساط الروائية الفرنسية إلى جانب قامات كبيرة تطبع الثقافة الفرنسية المعاصرة برواياتها وقصصها ومسرحياتها ومتونها الفكرية.
كما أنّ إيمان العروي بقيمة الأدب إلى جانب المجال العلمي الذي يشتغل داخله، يجعله يتنقّل بسهولة بين كتابة القصّة والرواية والتأليف الفكري. وهي ميزة تُحسب لفؤاد العروي تجعله يخرج من خندق الأديب المُلتحم فقط برواياته، إلاّ فضاء المثقف الموسوعي العارف بخبايا الثقافة ومُتخيّلها.
هذا وتأتي رواية « سيدة الرياض العجوز » التي ترجمها المترجم سعيد بلمبخوث على شكل شهادة تتبث عشق فؤاد العروي لبلده المغرب، هذا البلد الذي يعشقه أيضاً الكثيرون من الأجانب لكنهم لا يعرفون عنه الكثير وبالأخص المجال الثقافي. فكل ما يهمّ أولئك الأجانب هو الظفر بأوقات جميلة تحت الشمس الدافئة بمراكش أو غيرها من المدن. المهم بالنسبة إليهم هو الجو الجميل وكل ما طاب من المأكولات الشهية والمناظر الطبيعية والفولكلور، بأسلوب باحث ومبدع ساخر ».
فمن خلال الرواية « سيحاول المؤلف بطريقة ذكية وساخرة شد انتباه أولئك الوافدين الذي لا يكترثون بثقافة وتاريخ البلد الذي يرحب بهم كسياح أو مقيمين ولا يخفي أن مدينة مراكش أصبحت خلال الآونة الأخيرة قبلة للأجانب، إذ اقتنى الكثير منهم عقاراً أو رياضات قديمة، واستقروا بها ».
أما رواية احترسوا من المظليين » التي نقلها إلى العربية هيبتن الحيرش، فنقرأ عل غلافها « أحياناً وقد سئمت هذيان واستعراض بعض القوميين والمتعصبين الذين يصرخون، في دار المغرب بباريس « تكلم بالعربية » في وجه المتكلم الذي قد يتعثر في الكلام وينهي جملته بالفرنسية، أقدم نفسي على أني بلجيكي أو بروتاني، مثل ذلك الألماني الذي ادعى أنه بولوني ليضع حدا للنقد والتهكم، على أنه أعلن هذا الانفصال بالألمانية: اللغة الأم كانت بمثابة جبة نيسوس بالنسبة له، أما أن فكنت عارياً. ودون شك، فهو يحب على طريقته، أصله الجرماني على طريقة من يحب أكثر يعاقب أكثر. ولا شك أنه ليس له خيار ثالث: إما أن يحب موطن لغته أو يكرهه، لا توجد منزلة بين المنزلتين. لنعتبر إذن أننا محظوظون لأننا نستطيع رؤية هذه الأرض الشاسعة خلف المحكمة الابتدائية، مثلاً، وأيضاً هذه المدينة الساحلية، هذا البلد برمته، دون دموع فرح ولا صيحات حقد. هذا واضح دون لغة أم ».