بداية، كيف وعيت ذاتك من خلال الاشتغال على مفهومي الذاكرة والتاريخ في عددٍ من أعمالك السينمائية؟
أعتقد أنه كلما تقدّم المرء في السن، إلاّ ويصبح عنده علاقة خاصة بالتاريخ وذلك من خلال طرح مجموعة من الأسئلة: كيف كان هذا التاريخ؟ وكيف تطوّر؟ وما هي العناصر التي ساهمت في وقوع الحدث؟ ما يهمني في السينما هو البحث عن الشكل الذي كان وكيف تطوّرت الأمور في المغرب، خصوصاً بعد الاستقلال، بحكم أني عشت هذه الفترة ما بعد الاستقلال هذه هي الأمور التي كانت تهمّني، مجتمعيا وفكريا وأدبيا وسينمائيا. وهذا الأمر كان الموضوع الذي يشغلني في كتابي « شذرات من ذاكرة سينمائية ». تعرف مقولة إذا أردت أن تفهم الحاضر ينبغي أن تقرأ التاريخ حتى تستشرف المستقبل، تبدو هذه المقولة متداولة وسطحية، لكنْ إذا تأملتها ستكتشف مدى عمقها. في سنة 2024 أخرجت فيلمي « جوهرة بنت الحبس » تناولت فيه سنوات الرصاص، وفي هذا العمل بنيت فيلمي على فكرة، لا يمكن إلغاء التاريخ دون قراءته. ذلك إن عملية القراءة تُتيح لك إمكانية التعامل ع هذا التاريخ بدون حساسية تجاه ما عاشه الناس. بل إنها تفرض عليك فهم ما وقع والأحدث التي ساهمت في وقوع ما حدث. هكذا تصبح العلاقة فيها نوع من التفكير وتسعى جاهدة إلى فهم ما وقع.
حين تعمل على مثل هذه المواضيع الفكرية، هل تكون مُطالب من الناحية السينمائية بالتوثيق؟
أنا لست مطالبا. أنا أكون مجرد ملاحظ من المجتمع قبل أن أكون سينمائياً. أما النظرة السينمائية فهي تجسّد نوعا من الحقيقة، لأنها تجعل المشاهد يعيش بالصوت والصورة. دوري كسينمائي أن أضع أصبعي على مجموعة من الأحداث البالغة في التغيير، سواء كان إيجابيا أو سلبياً. مثلا الشباب المغربي خلال سنوات السبعينيات وأفكاره وتطلعاته ونمط عيشه وتكوينه وإنجاز مقارنة مع الأجيال الجديدة.
الملاحظ أن الفيلموغرافيا التي لها علاقة بسنوات الرصاص، ذهبت إلى ما يمكن أن نسميه بسينما الشهادة أكثر من العناية بعنصر التخييل؟
أولا هناك مجموعة من الأفلام حول هذه الفترة، لما تتطرق إلى موضوع تاريخي تكون لديك مجموعة من المحددات التي لا يمكن تجاوزها. حدث ما وقع في مكان ما وزمان ما، وبالتالي، فإذا أرت أن تتحدث عن هذا الحدث ينبغي أن تكون وفيا له. وأنا لا أتفق معك بخصوص السينما الشهادة، إنها السينما التي تقوم بعملية تأريخ لمجموعة من المراحل والأحداث التي كان عندها تأثير بالغ على السياسة المغربية بصفة عامة تقوم بحكيها بطريقة تخييلية عبر الشخصيات والأحداث وتركيبة درامية، مقارنة بالأفلام الوثائقية، وبالتالي، فهذه الأفلام التي جرى تصويرها فيها نوع من التخييل والحكي. وأحيانا تكون الأحداث تفرض نفسها فتتحكّم في طريقة السرد والحكي، ولكن هذا لا ينفي أن هناك حكايات وشخصيات وخلطة درامية تجعل الفيلم يمشي بتراتبية
هل يمكن للسينمائي أن يكون مؤرخا؟
من الضروري أن يهتمّ المخرج السينمائي بالحدث التاريخي، إذ لا يمكن تركه جانبا والاهتمام بحكي قصة تصبح فيها الأحداث ثانوية. وهذا الأمر يصبح تعسفا على التاريخ. الفرق هو أنه ولو أن السينمائي ليس دوره أن يكون مؤرخا، لكنه يدفع المتفرج أن يكون لديه إحساس شخصي حول هذه الأحداث. وكون أن المتفرج يصبح له إحساسا تجاه هذ الموضوع يساهم ضمنيا في تطور الفكرة عن باقي الناس. أتذكر أنه لما صدر « جوهرة بنت الحبس » في اللقاءات التي كنا ننظمها كان الناس كثر، لكن أغلبهم يجهل ما وقع في سنوات الرصاص، بحيث أن الناس التي كانت تهتم بالموضوع لها وعي سياسي وتكوين ثقافي. لذلك فإنّ السينما تلعب هذا الدور على مستوى الإشعاع والتوعية