تأتي قيمة هذه الدراسة في كونها تنطلق من تاريخ خاصّ وتحاول عبر هذا التاريخ أنْ تؤسس شرعية علمية للقبيلة. خاصة وأن عملية الحفر في التاريخ المحلي لا تكاد تخلو من مغامرة، إذْ تعطي للباحث إمكانات كبيرة للاحتكاك مع فضاء القبيلة واستنطاق ذاكرته وتاريخه، بغية الخروج بنوع من الكتابة التاريخية الدقيقة التي لا تنغمس في العموميات من تاريخ المغرب، بقدر ما تحفر مجراها عميقاً عند نقطةٍ واحدة ترسو عندها عين الباحث، فيعمل وفق هذه الآلية المونوغرافية على رصد تاريخ بني صبيح ومجالها وذاكرتها وتراثها. إنّه شكلٌ من الكتابة التاريخية الذي يلعب دوره القوي في رصد تاريخ المنطقة لغاية المساهمة في تأسيس تاريخ وطني. فقد كشفت العديد من الدراسات السابقة أنّ الحفر في التاريخ المحلي هو الذي يساهم في إغناء البحث التاريخي حول تاريخ المغرب.
يقول مؤلّف الكتاب « كثيراً ما تملكتنا الرغبة في إبراز الوجه الحقيقي للتاريخ الذي جذبنا إلى ملعبه دائماً والتاريخ بمفهومه البرودلي بشكل خاص، التاريخ المهتم بالجماعات والتجمعات انجذاب ازداد باطلاعنا على مجموعة من الدراسات حول التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لبعض المناطق وولد لدينا فكرة هذا الكتاب كمساهمة في التعريف بحياة قبيلة بني صبيح التي حز في أنفسنا الإهمال والإغفال الذي لحقها ولا يزال في الدراسات التاريخية ».
يهدف الكتاب حسب صاحبه « إلى معرفة الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لقصر بني صبيح إلى حين اعتراء التحوّل وتاريخ المنطقة نتيجة موجة من التغيرات الجذرية التي طرأت على نمط عيش الساكنة في كل الميادين وهذا طبعاً نتيجة العولمة والهجرة الجماعية التي عرفها المغرب المنسي كافة. وقد تعمدنا في فقرات هذا العمل عدم تحديد الإطار الزمني بشكل دقيق كون مسعانا هو تقريب والتعريف بالتاريخ المحلي لهذه القبيلة عبر الزمن الطويل، وإيماناً أيضاً بأنّ التاريخ قاطرة تتوقف في محطات المرور، إلا أنها لا تتوفر على محطة الوصول ».
