شخصياً لا أرى أيّ مشكل إذا استحضر الناس الله في مواجهة هول الزلزال وتبعاتها، بحكم أنّ الإنسان ضعيف تجاه عوامل الطبيعة وغيرها. ولا أجد أيّ مانع أيضاً في أنْ يغدو الديني أحد مظاهر التعبير الذاتي الكتوم عن جرح الكائن وهشاشته الوجودية. بل المُشكل يبدأ في اللحظة التي يخرج فيها دعاة مثل هاشم البسطاوي ويُدبّجون خطاباتهم الانبطاحية في وجه الناس، على أساس أنّنا نعيش علامات الساعة التي ستظهر قريباً، في وقتٍ كلّ ما نحتاجه هو التشبّه بالإيمان الذي في دواخلنا ونتّحد بيننا لنُواجه فظاعة هذا الزلزال، وذلك بمساعدة الناس وتقديم يد العون لهم والترحّم على الموتى والإعلاء من قيمة البشر والسفر إليهم والوقوف بجانبهم في محنهم المريرة التي يمُرّون بها.
هذا المرض إنْ كان يدُلّ على شيءٍ، فهو يضعنا أمام حقيقتنا ومرآة أنفسنا والتأخّر التاريخي الذي نعيشه اليوم. فليس كلّ ما يُصيبنا يُمكن أنْ نُعيده دائماً إلى الدين. فنحن في حاجةٍ ماسّة إلى علماء وجيولوجيين وعلماء مناخ وجغرافيين ليشرحوا لنا بطريقةٍ علمية ما يحدث في مثل هذه الوضعيات. وأيضاً من أجل اكتساب ثقافة معيّنة في هذا الصدد، تجعلنا على الأقلّ نعرف كيف تحدث الزلازل، وما الذي ينبغي عمله لحظة حدوثها. ليس الدين وسيلة نحكم بها العالم، بل هو طريقة في النّظر والرؤية تجاه الأشياء، بما يجعلنا نعيش حياة هادئة. إنّ ما نحتاجه في هذه اللحظة الأليمة التي يمُر منها المجتمع أنْ نتضامن فيما بيننا ونُخفّف عن أجسادنا آثار الزلزال ويومياته المريرة الموجعة.
ليس الناس الذين فقدوا على إثر الزلزال عائلاتهم وأولادهم في حاجةٍ أنْ يُذكّرهم الدعاة بعلامات الساعة، بل في حاجةٍ للعثور على أجساد عائلاتهم وقد تحوّلت إلى أشلاء تحت التراب والحجر. إنّهم في حاجة إلى أنْ يتمّ تعويضهم عن منازلهم وبهائمهم وأرضهم، بل عن كلّ شيءٍ فقدوه جرّاء هذا الزلزال المُدمّر.
كلّ ما أصابنا مكروه، إلاّ وخرج علينا هاشم البسطاوي ليبسط في وجوهنا جهله تجاه المعرفة وقوانين الطبيعة. منذ اللحظة التي بدأ فيها الزلزال يُهدّد عائلاتنا وأصحابنا وسلامة من نُحبّ في عددٍ من المُدن المغربيّة، لم يتوقّف المدعو هاشم البسطاوي من اعتبار أنّ ما أصابنا هو بسبب ذنوبنا ومعاصينا. هذا الأمر، أثار جدلاً واسعاً في صفوف المجتمع، خاصّة داخل الفنّانين الذين دخل بعضهم في سجالٍ قويّ مع هذا الفنان الذي تحوّل إلى داعية يُرهب الناس. لقد أصبح هاشم البسطاوي بمثابة شرطي مرور داخل المجتمع، ينتقد الناس ويسبّهم ويحرجهم أمام جماهير تُحبّهم.
والحقيقة أنّه بسبب مثل هذه الخطابات التي تحمل في باطنها ضغينة تجاه الفن وناسه. لا تعكس في جوهرها سوى الحقد الذي يُكنّه هذا الشخص للناس. مع أنّ الذين تضرّروا بفعل الزلزال ليسوا فنانين ولا ممثلين ولا نجوم، بل فقط مجرد ناس فقراء عاديين يعيشون في مناطق نائية داخل المغرب المنسيّ. ومع ذلك فإنّ الفنّان « التائب » لم يتوقّف منذ بداية الزلزال على نقد الناس، وجعل كلّ خطاباته ميتافيزيقية تبشيرية بطريقة يبدو فيها جاهلاً ولا يعرف جوهر الدين ومعناه الحقيقي في مثل هذه اللحظات الموجعة التي يعيشها المغاربة اليوم على وقع الزلزال وتبعاته في النفوس والأجساد.