تُعتبر صاحبة « لا يهم إنْ نفقت البهائم » من الوجوه السينمائية الجديدة التي استطاعت لفت انتباه النقاد، بعد نجاح فيلمها القصير الذي حصلت بموجبه على جوائز عالمية رفيعة، كما هو الحال بمهرجان صندانس السينمائي. بل إنّ عرض الفيلم ضمن مهرجانات سينمائية عدّة، ساهم بشكل كبير في ذيوع الفيلم وانتشاره في العالم. مع العلم أنّ عملية العرض العالمي تُتيح للأفلام شهرة كبيرة وواسعة تُؤثّر لاحقاً في عملية العرض داخل المغرب، لأنّ لجان التحكيم والمُشاهدين يجدون أنفسهم أمام فيلم حظي بإشادات نقدية دولية. لم تُكن صوفيا علوي معروفة على الإطلاق داخل المغرب وخارجه، لكنْ بعد عرض فيلمها القصير الأوّل «لا يهم إنْ نفقت البهائم» تحوّلت أنظار الساحة السينمائية إلى ما تطرحه المخرجة من أفكار فنية ورؤى جمالية عبر قالب سينمائي متخيّل. وبالنّظر إلى جماليات الفيلم، تُدخل علوي المُشاهد في عمق تجربتها السينمائية بطريقةٍ تجعل المُشاهد يطرح أسئلة فلسفية حقيقيةٍ حول الذات في علاقتها بالمُحيط الذي تعيش فيه.
عُرض فيلمها القصير لأوّل مرّة، ضمن المهرجان الوطني في طنجة عام 2020 لكنّه لم يحظى بأيّ تتويج يُذكر، وانهال زمرة من النقاد على لجان التحكيم حول سبب عدم فوزها بأيّ جائزة، رغم أنّ المخرجة كانت تستحقّ الفوز. كل هذا في وقتٍ حظي فيه الفيلم بجائزة سيزار الفرنسيّة كأفضل فيلم. تتويج كهذا فتح للمخرجة شهية الاستمرار في نسج حكايات سينمائية غريبة حول المغرب. ومنذ ذلك الوقت ظلّ اسم صوفيا علوي بارزاً في المهرجانات السينمائية العالمية. شهرة أتاحت لها اعترافاً وطنياً بما أنجزته سينمائياً، وأصبح الوسط الفني بمختلف مؤسساته وفنانيه ونقاده يلتفّون حول المخرجة ويُساهمون بطريقة مباشرة في تكريس اسمها داخل المغرب.
تتميّز أفلام علوي بقُدرة هائلة على التجريب السينمائي، وفق طريقة مختلفة من التعبير البصري الذي يُتيح لها إمكانات مُذهلة للتعبير. وتشتغل علوي في أفلامها على أنماط فيلمية متنوّعة تمزجها بطريقة مُركّبة، بما يجعل الصورة مختلفة. وهذا في حدّ ذاته يُشكلّ إحدى نقط قوّة المخرجة وإمكاناتها البصريّة. وتحرص صاحبة « أنيماليا » من خلال هذا الميسم البصري على تنويع لقطاتها ومَشاهدها، لكنّ خطّية الحكاية تبقى على حالها. تبدأ بشكل مضطرب على مُستوى السرد، دون أنْ تعطي للمُشاهد أيّ إمكانية لخلق نوع من الحدس عما يُمكن أنْ يقع، فتكون المَشاهد السينمائية اللاحقة بمثابة مفاجئة بالنسبة للمُتفرّج. هذا النّمط من التصوير واللعب على حدّة السرد، يُطالعنا في السينما الآسيوية المُهتمّة بعناصر الطبيعة في علاقتها بالجسد البشري.
تُقدّم علوي صورة مميّزة للسينما المغربية. صورة عن الإمكانات التخييلية التي تحبل بها الأفلام السينمائية المُنتجة بدعم أجنبي. في وقتٍ تتآكل فيه السينما المغربية، إذْ لم تستطع رموزها البحث عن سينما مغايرة تهجس بالإبداع والابتكار والتجديد. فالتجارب الواعدة حقّقت داخل عدد من المهرجانات العالمية، ما لم تكُن السينما المغربية تحلم به يوماً. كما حرص « المركز السينمائي المغربي » الرفع من منسوب دعم الأفلام إيماناً منه بأهمية السينما ودورها الكبير في تكريس صورة المغرب على المستوى العالمي. لقد استطاعت صوفيا علوي بفيلميها التمركز جيّداً داخل الوسط السينمائي. مكانة لم يُعطيها لك المغرب، بل الجوائز العالمية التي حصلت عليها، فاستطاعت من خلالها نزع الاعتراف الوطني بسينماها، كما حدث بمهرجان مراكش السينمائي.