ويحرص الأشعري في هذا الكتاب على إعادة الاعتبار لفن القصّة القصيرة، باعتبارها من الأجناس الأدبيّة الصعبة والمركّبة التي تتطلبّ وعياً دقيقاً. هذا الأمر، يترك انطباعاً قوياً لدى القارئ. ذلك أنّ محمد الأشعري حين انتقل من الشعر إلى كتابة الرواية ظنّ البعض أنّ الأمر رهين بالحظوة التي باتت تعرفها الرواية مقارنة بالقصّة والشعر. لكنّ الأشعري يُباغتنا هنا بمجموعة قصصية، ام يعني أنّنا أمام تجربة أدبية مفتوحة على تخوم لا مفكّر فيها. تجربة تحاول تفجير مكنوناتها الأدبيّة عبر فعل الكتابة، سواء كانت رواية أو شعراً أو قصة قصيرة. إن ما يميّز كتابات الأشعري هو حرصه الدائم على مفهوم الكتابة نفسها، فهي أصيلة في منطلقاتها وقوية في تجلياتها وساحرة في ملامستها للعديد من القضايا ذات الصلة بالكائن البشري.
هذا التعدّد بين القصة والرواية والشعر والتدبير الثقافي أعطى للأشعري قيمة رمزية وجعله أكثر الأدباء قراءة ومتابعة بالنسبة للقارئ. وينتمي الأشعري إلى جيل السبعينيات أي الجيل الثاني في المشهد الشعري المغربي المعاصر. وهو جيل يُعتبر مؤسساً للحداثة الثقافية بالمغرب، بحكم الإمكانات التي شهدها هذا الجيل ورهانه الدائم على قضايا الالتزام والتحرر. واستطاع محمد الأشعري إلى جانب محمد بنيس وعبد الله زريقة وعبد الله راجع أنْ يؤسس لنفسه تجربة أدبيّة تنطلق من الجسد، لكنّها تحاول في نفس الوقت التماهي مع الذاكرة الجماعية للمغاربة انطلاقاً من جرح السبعينيات وما شهدته هذه المرحلة من مخاص سياسي عميق ما يزال جرحه لم يندمل بعد.