تأتي قيمة هذا الكتاب في كونه يُقدّم إضافة كبيرة للساحة الفنيّة التي تفتقر إلى مثل هذه المؤلّفات ذات القيمة الكبيرة داخل ثقافة تزداد هشاشة وضعفاً أمام التحوّلات الكبرة التي بات يعرفها المجال الفنّي. ذلك إنّها تُساهم في رفع منسوب الوعي تجاه التجارب الغنائية الكبيرة وتعمل على توثيق تجاربها وأيقوناتها، بما يجعلها تمتد عبر الزمن وتُساهم بشكل كبير في خلق جدل فني يُعوّل عليه من الناحية الفنية. فالمؤلفات التي توثق سيرة الفنانين والمغنيين والمخرجين ما تزال مغيّبة وتحتا إلى عناية كبيرة، سواء من طرف المؤسسات أو الأفراد.
تسعى هذه الدراسة إلى تأمّل مسار فنان استثنائي راكم من التجارب الغنائية ما جعله اليوم واحداً من الفنانين الشعبيين المؤثرين في بنية التجربة الغيوانية. وهي تجربة عميقة رغم ما كُتب عنها من دراسات، ما تزال تحتاج إلى دراسات أكاديمية كبيرة من أجل الكشف عن ملامحها الفنية وتجلياتها الجمالية ومدى تأثيرها في الغناء المغربي بصفة عامة. إنّ التجربة الغنائية لا يمكن النظر إليها بمعزل عن السياق التاريخي الذي صنع هذه الفرقة وساهم في إبراز أغانيها وموسيقاها داخل بيئة شعبية تنتفض للحرية والعيش الكريم.
يقول المنتج المسرحي والسينمائي علي عباس الصناع « خلال زياراتي للمغرب في التسعينيات، اكتشفت تنوّعاً كبيراً في الموسيقى المغربية مثل كناوة والملحون وعيساوى والأغاني الأمازيغية. ظهرت في تلك الفترة فرق غنائية مثل جيل جيلالة وتكدة والسهام، لكن ناس الغيوان التي تأسست عام 1970 تبقى الأهم والأكثر شعبية خاصّة أن أعضائها جاءوا منمن أحياء فقيرة في الدارالبيضاء وكان لهم تجربة مسرحية مع الطيب الصديقي. كتاب رحلة الحال والبركة يقدم تاريخا عميقاً لمجموعة ناس الغيوان في السبعينيات والثمانينيات. هذا الكتاب المهم يتناول كفاح الفنان عبد الرحمان باكا والذي دمج موهبته الفنية وتجربيته الصوفية لإثراء الموسيقى في مدينة الصويرة ».