يأتي هذا الاختيار بحكم المكانة التي تشغلها مؤلفات الحيرش داخل مجال النقد الأدبي. ذلك إنّ أعماله لا تقف عند الممارسة النقدية بمفهومها الكلاسيكي، بقدر ما يُوسّع أفق النّظر باستلهام مناجه من داخل العلوم الإنسانية ونظيرتها الاجتماعية وجعلها أفقاً نظرياً يدفعه إلى بلور تصوّر أصيل لخصوية العمل الأدبي. بل إنّ القارئ لكتاباته المختلفة سيفطن إلى أساليب الكتابة لديه وكيف يعمل على تأصيل النظرية الأدبيّة والدفع بها إلى التماهي مع مفاهيم ونظريات زخمها الثقافي في مجال الفكر. إنّ هذا الانتقال من النقد بمفهومه التقليدي صوب دائرة يتصادى فيها مع الفكر، يعتبر أحد العناصر البارزة في سيرة الكتابة عند محمّد الحيرش وقُدرته بشكل خلاق على استلهام التراث النظري الغربي بكلّ ما يتّصل به من سياقات ومفاهيم ونظريات، لكنْ مع ضرورة الحفاظ على الشرط الذاتي في بناء المعنى.
تبرز قيمة هذه المحاضرات الافتتاحية في الإمكانات التي تُتيحها للأجيال البحثية الجديدة والتي تُساعدهم على بناء وعي ثقافي مبكّر تجاه بعض القضايا والإشكالات التي تطال الثقافية المغربية في عمومها. هذا فضلاً عن التوقّف عند أهم ملامح النظريات التي تشغل الوسط الجامعي وتدفعه إلى التفكير والترجمة والتأويل والكتابة، حتّى يستطيع الناقد استلهام هذه الرأسمال المعرفي لتفكيك ميكانيزمات النص الأدبي في المغرب وخصوصياته الثقافية المتنوّعة.