يرى بنكراد في كتابه هذا « أنّ الإنسان بدأ متمتماً وخطاطاً وانتهى ناطقاً في اللغة وناظراً في العين، فالذي تعلم كيف يتحكّم في أصواته ويُوجّهها لإنتاج المعاني، هو ذاته الذي روّض اليد وحوّلها إلى أداة يستطيع من خلالها توجيه الخط والرسم إلى ما يقود إلى استحضار الغائب. لقد كان الراسم عاقلاً، فوحده الإنسان العاقل يمكن أن يخرج من ذاته ويسقطها على خارج يعيد فيه رسم قدر جديد غير ما تريده الطبيعة. لذلك لا يمكن فصل اللفظ الذي يحاكي أصوات الطبيعة عن النظرة التي يتسلل من خلالها العالم إلى الذاكرة البصرية ».
ويعتبر الناقد فإنّ « ذاك مصدر الروابط بين الرسم والكتابة والصوت، ما حددناه في الغرافية التي كانت تجمع بينهم. إنه ثلاثي تبلور تزامنياً وهو الذي وسع من دائرة إدراك الكائن البشري لمحيطه. إنّ الحرف ذاته كان وليد الخط أو كان يمثل سن الرشد فيه. وتلك قوته أيضاً، إنّه يوجد في الشكل من خلال خصائصه الذاتية، لا من خلال احتمالات الصوت فيه. إنّ الرسم ينفخ في الحرف من دواخله ليدفعه للخروج عن المدى الصوتي ليُصبح شكلاً في العين. إنّ النظرة وحدها يمكن أنْ تُعيد بناءه وفق هواها، أيْ وفق ما يمكن أنْ يأتي من احتمالات التشكيل فيه ».