ولا يصعب على هذه «السويقات» الأدبية، المقامة وسط الشوارع المزدحمة لفت أنظار المهتمين، الذين تجذبهم الأسعار المنخفضة للكتب، فيتغافلون عن رداءة جودة النسخ المعروضة التي يكشف تصفح بعناية عن غياب تام لصفحات بأكملها والبعض الآخر غير قابل للقراءة. على أن ذلك لا إذا أن هذا لا يردع «صائدي الفرص»، الذين لا يرغبون في صرف بعض المال لاقتناء قليل من الثقافة بشكل قانوني.
وفي الوقت الذي تنشط فيه تجارة باعة الكتب المتجولين، تكاد المكتبات تكون مهجورة من الزبناء، حيث تتوزع أكوام الروايات والموسوعات والكتب الأكاديمية الجديدة على الرفوف، في انتظار زبون لن يأتي. لتكون سعادة بائعي الكتب المتجولين سببا في تعاسة أصحاب المكتبات، ومعها المؤلفون المحرومين من عوائد أعمالهم.
من الواضح أن انتهاكات حقوق المؤلف لا تستثني أي شكل من أشكال الإبداع (سينما وموسيقى وفنون تشكيلية وبصرية وما إلى ذلك). لكن يبدو أن الكتاب هو الأكثر تضررا، من وجهة نظر الناشرة نادية السالمي، مديرة دار النشر « يوماد »، التي عبرت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن الأسف لأنه « على سبيل المثال، لا يمكن قرصنة فيلم ما دون إثارة ضجة، بينما يتم كل يوم تداول نسخ غير قانونية من الأعمال الأدبية والأكاديمية، على مرأى ومسمع من الجميع ».
هذا المعطى يؤكده عبد الحق نجيب، الصحفي ومدير دار النشر « أوريون »، الذي أبرز في تصريح مماثل، أن « التساهل بخصوص الكتب وكل ما هو مطبوع أصبح قاعدة »، وأن « الانتحال والنسخ غير القانوني أصبحا شائعين للغاية لدرجة جعلت المؤلف ضحية هذه الممارسات يستسلم للأمر الواقع، ولا يقدم أي شكوى في الموضوع ».
الأعمال الأدبية والصحفية على رأس المتضررين
ولتفسير هذا «التضرر» الذي يعاني منه الكتاب، يشير عبد الحكيم قرمان، رئيس الائتلاف المغربي للملكية الفكرية إلى أن «الكتب سهلة نسبيا في إعادة إنتاجها وتوزيعها، مما قد يجعل القرصنة أكثر انتشارا».
وأشار في حديث مع وكالة المغرب العربي للأنباء إلى أنه «بالمقارنة مع ذلك، قد تتطلب الأعمال السينمائية والموسيقية موارد ومهارات محددة ليتم نسخها على نطاق واسع»، مبرزا مسألة ظهور التكنولوجيا الرقمية التي صار معها ممكنا رقمنة الكتب بسهولة أكبر، وتوزيعها عبر الإنترنت دون إذن.
ويعد الصحفيون، إلى جانب المؤلفين وبائعي الكتب والناشرين، من بين الفئات المهنية الأكثر تضررا بالتطور التكنولوجي، وما ينجم عنه من انتهاكات عديدة للملكية الفكرية.
ويدق رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، محتات الرقاص، ناقوس الخطر، في هذا الخصوص، حيث أوضح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن «الاستخدام غير المصرح به لمقالات الصحافة المكتوبة أصبح ممارسة شائعة في محركات البحث الدولية، مشيرا إلى تطبيقات للهواتف المحمولة ومنصات الأنترنت تقدم خدمة مجانية تتيح لك تصفح مجموعة من الصحف الوطنية والأجنبية صفحة تلو الأخرى، في نسخة رقمية».
ويضيف أن « الأدهى من ذلك هو أن التقارير والتحقيقات والسبق الصحفي، وغيرها من الأعمال التي تنتجها الصحافة المكتوبة على حساب الجهود التحريرية والاستثمارات المالية والتحقيقات الميدانية الدقيقة، يتم نهبها وإعادة إنتاجها بشكل غير قانوني على المواقع الإلكترونية أو شبكات التواصل الاجتماعي، ويتم نشرها، قبل أن تصل إلى أيدي القراء حتى. ويضيف « لك أن تتخيل الضرر المعنوي والمادي الذي تلحقه هذه الممارسات بالصحف التي تكافح من أجل البقاء في أصعب الظروف الوطنية والدولية ».
تنزيل القانون على المحك
تشيع إذن ممارسات غير مشروعة عديدة تطال حقوق المؤلف من نسخ ولصق، وقرصنة، وإعادة استعمال دون ترخيص، واستغلال رقمي غير القانوني، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا نتخذ إجراءات صارمة ضد المخالفين، في وقت تؤدي فيه انتهاكات الملكية الفكرية في بلدان أخرى إلى أحكام بالسجن مصحوبة بغرامات باهظة؟
وبالفعل، تنص المادة 64 من القانون رقم 00-2 المتعلق بحق المؤلف والحقوق المجاورة (النسخة الموحدة المؤرخة في 9 يونيو 2014) على أنه « يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وغرامة من عشرة آلاف إلى مائة ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من ارتكب بطريقة غير مشروعة وبأي وسيلة كانت، لأغراض الاستغلال التجاري، انتهاكا متعمدا لحقوق المؤلف ».
ومن الواضح بالتالي أن المشكلة لا تكمن في القانون، بل في تطبيقه، كما يؤكد ذلك السيد قرمان، إذ أشار إلى أن المغرب أحرز تقدما كبيرا في اعتماد قوانين حديثة لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، بما يتماشى مع المعايير الدولية مثل معاهدات المنظمة العالمية للملكية الفكرية، والاتفاق المتعلق بالجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية لمنظمة التجارة العالمية. توفر هذه الترسانة القانونية أساسا متينا لحماية المبدعين وأصحاب الحقوق في بيئة تتطور باستمرار. ومع ذلك، فإن مقاومة التغيير غالبا ما تكون حاضرة على مستوى الإدارات والمنظمات القائمة.
من أجل ثقافة حقوق المؤلف
بصرف النظر عن القوانين والمراسيم والأحكام التنظيمية، فإن رفع مستوى الوعي يشكل بعدا مهما لأي استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على حقوق المؤلفين وتعزيزها. والواقع أن العديد من المؤلفين، بسبب الجهل أو السلبية أو اليأس، لا يحاولون تأكيد حقوقهم المشروعة، ولا يقدمون أي شكوى عندما تنتهك هذه الحقوق، الأمر الذي يشكل أرضا خصبة للتراخي والإفلات من العقاب.
وفي ما يتعلق بانتهاكات حقوق المؤلف التي أصبحت كثيرة، يشير عبد الحق نجيب إلى أن « هؤلاء الأفراد عديمو الضمير والأخلاق الذين يسمحون لأنفسهم بالاستيلاء على أعمال الآخرين ليسوا الوحيدين الذين يتحملون المسؤولية »، مبرزا أن المسؤولية تقع أيضا على عاتق المؤلفين والمبدعين أنفسهم.
ويوضح في هذا الصدد أنه «من أصل 300 عنوان نشرتها دار أوريون للنشر، تم تسجيل حوالي عشرة عناوين فقط كملكية فكرية من قبل مؤلفيها. وهذا يدل على عدم الاهتمام بهذا الموضوع. لا يزال هناك الكثير من العمل الإعلامي والتوعية الذي يتعين القيام به في المقام الأول للمؤلفين، لتشجيعهم على حماية مؤلفاتهم، وتنويرهم بالإجراءات اللازمة لدى المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، فهذه هي الخطوة الأولى والأساسية، وبعدها ستأتي الخطوات الأخرى».
كما يمكن التركيز على حملات التوعية العامة (في وسائل الإعلام والمدارس والجامعات) حول مفهوم حقوق المؤلف، والعقوبات التي يتعرض لها المنتهكون والأضرار الناجمة عن الانتهاكات، سواء للمؤلفين أو لقطاعي الثقافة والنشر، من أجل المساعدة في جعل احترام حقوق المؤلف هاجسا يوميا.
وإذا كانت حماية حقوق المؤلف تنطوي على مهمة معقدة وكبيرة تشمل تفعيل التشريعات والعقوبات والتكوين ومواكبة التكنولوجيا والتحسيس والتوعية، سيما في ظل بيئة رقمية تيسر إساءة استخدام الأعمال الإبداعية، فإن الأمر بالتأكيد يستحق الجهد المبذول، لأن مستقبل الإبداع في المملكة وتأثيره الدولي، وإرساء صناعة ثقافية وطنية ذات سيادة ومستدامة رهين بذلك.