لقد ظل الغيورون على الهوية المغربية الأصيلة يطالبون بتبويئ الأمازيغية المكانة اللائقة بها، وتمتيعها بحقها الكامل في المواطنة والحماية الدستورية والمؤسساتية، أهداف لن تتحقق إلا من خلال مداخل في صلبها التعليم، والتعليم الناجح لا يتحقق إلا بلغة الأم، واللغة الأم لنسبة كبيرة من المغاربة هي الأمازيغية. وقد خطت الدولة في أعلى مستوياتها، أي المؤسسة الملكية، نحو تحقيق الحلم باتخاذ قرارات جريئة وغير مسبوقة في تاريخ المغرب لصالح الأمازيغية، منها إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والشروع سنة 2003 في إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية الوطنية وتدريسها بحرفها الأصيل تيفيناغ.
فخلال الموسم الدراسي 2003/2004، دشن المغرب بصفة رسمية مشروع إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية، وأسندت مهمة تدريسها لطاقم تربوي يضم أساتذة استفادوا من التكوين خلال يوليوز 2003، وخصصت وزارة التربية الوطنية بعد سنة 2012 للمادة أساتذة متخصصين ظل عددهم غير كاف للتغطية الشاملة للخصاص في أساتذة المادة، وهو ما جعل تدريسها مشوبا بعدم الشمولية والاستمرارية، ولا يراوح مكانه ولا يغطي إلا نسبة ضئيلة من المدارس الابتدائية ، رغم أن التعميم الشامل الأفقي والعمودي كان منتظرا منذ الموسم الدراسي 2009/2010.
إن ما تحقق من مكاسب لصالح الأمازيغية في التعليم، رغم بساطته، أضحى باديا للعيان أن هناك من يخطط للتراجع عنه، وبالتالي إجهاض المشروع في شموليته، ومما يفضح تلك النوايا غياب إرادة حقيقية لإدماج شامل للغة الأمازيغية في المنظومة التربوية، وقلة الأطر المختصة المرصودة لها، وفتح مباراة الأساتذة المتخصصين في اللغة الأمازيغية للقادمين من كل التخصصات مهما بلغ بعدها عن ميدان التخصص، عوض رصد مناصبها للحاملين لمؤهل علمي في المادة أي الإجازة في الدراسات الأمازيغية، وهي تجاوزات لن تقبل في أي من التخصصات باستثناء اللغة الأمازيغية.
فهل سيقبل القيمون على الشأن التربوي أن يسند تدريس أي مادة من المواد المدرسة في المدرسة العمومية كاللغة العربية أو الفرنسية أو الانجليزية أو أي من اللغات أو التخصصات لمن لا يحمل أي مؤهل علمي في ذلك التخصص؟
وكيف لحاصل على الإجازة في الشريعة أو الدراسات الإسلامية أو التاريخ أو الجغرافيا أو علم الاجتماع أو القانون أو الكيمياء أو البيولوجيا أو أي مادة غير الأمازيغية أن يدرس لغة لا يعلم أي شيء عن قواعدها ويظن أن مجرد الحديث بها كلغة أم كاف للنهوض بمهمة تدريسها؟
ولماذا أضحى المترشحون لولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين منذ الموسم الماضي يمتحنون في مواد لا صلة لها بمجال تخصصهم ولا تخدمه في أي شيء كالرياضيات والعلوم والعربية والفرنسية؟
لقد أدى فتح التباري حول مناصب اللغة الأمازيغية للقادمين من كل التخصصات، عوض رصده للحاصلين على شهادة الإجازة في الدراسات الأمازيغية، واعتماد النقطة الموجبة للرسوب، وامتحان أساتذة المستقبل للغة الأمازيغية في مضامين لا صلة لها بمجال تخصصهم لرسوب أغلب المترشحين الأكفاء المتخصصين في اللغة الأمازيغية، مقابل نجاح من يحملون شواهد في تخصصات بعيدة كل البعد عن ميدان التخصص أي اللغة والثقافة الأمازيغتين، وهو ما يهدد المشروع في شموليته بالفشل.
فكيف لمجاز في أي تخصص غير الأمازيغية، ولو كان ناطقا بارعا، أن يدرس هذه اللغة، وهو لا يعلم أي شيء عنها أصواتا وأبجدية وإملاء ومعجما وصرفا وتركيبا؟ وهي تفاصيل علمية يقضي الذين يختارون شعبة الدراسات الأمازيغية ثلاث سنوات في الجامعة أي ستة فصول لاكتسابها.
وكيف لمن لا يتقن الأمازيغية نطقا، ولا يتواصل إلا بالعامية، أن يمتلك الجرأة للتقدم للتباري حول منصب أستاذ للغة الأمازيغية؟ ظنا منه أن تعلم أبجدية تيفيناغ بعجالة يكفي للتقدم للتباري.
إن قرارا كهذا فتح الباب على مصراعيه لتهافت الجميع على مناصب اللغة الأمازيغية مما يعني نية إفشال تدريسها منذ البداية من قبل غير المؤهلين، عوض تخصيصها للأكفاء علميا لتحمل مسؤولية تدريسها وإنجاحه، ويفتح المجال لتساؤلات مشروعة حول النوايا الحقيقية لمهندسه ومهندس مختلف القرارات التي تثبط وتعيق المشروع من قبيل اختبار المترشحين لها في مواد أخرى غير مادة التخصص.