راهن المغرب في السنوات الأخيرة على سياسة المهرجانات الفنية، لا من أجل خلق نوع من الترفيه لساكنة المدن. وإنْ كانت هناك تراتبية بيّنة على مستوى تنظيم هذه المهرجانات وحجم الدعم المُقدّم لكلّ مهرجان. ذلك إنّ المدن المنسيّة والحزينة والصامتة تحتاج إلى اشتغال مكثف ودقيق لضخ دماء جديدة في شرايينها وإنقاذ كافة جسدها المعطوب، نظراً لوجود طاقات خلاّقة تسعى جاهدة إلى تقديم جديد يُعوّل عليه من الناحية الفنية. فالمدن الصغيرة تعتبر مساحات كبيرة قابلة لتفجير طاقات فنية مذهلة في مجالات تتعلق بالسينما والمسرح والغناء والموسيقى والرقص.
ولا شك أنّ عدد الفيديوهات المنتشرة على السوشل ميديا، تُؤكّد مدى قوةّ هذه المدن الصغيرة في خلق مشاريع فنية، بعيداً عن بعض مدن المركز. لذلك نعتقد أنّ إحداث مهرجانات فنية صغيرة داخل هذه المدن من شأنه أنْ يعطي للمدن زخماً فنياً ويُساهم في الترويج الاقتصادي لها ويعطيها طابعاً مغايراً تُظهر فيه مدى تجذّر بعض الفنون في بنياتها ونظامها الاجتماعي. لكنْ في مقابل ذلك تتوفّر المدن الكبرى على مهرجانات « دولية » تستطيع عبرها استثمار تاريخها وذاكرتها وجعلها تتماهى مع طبيعة المهرجان الفني.
لم تعُد المهرجانات الفنية وسيلة ترفيهية وإنْ كانت بعض المهرجانات نفسها تعتبرها كذلك، لكنّها غدت اليوم وسيلة سياسية ودعامة دبلوماسية وقوّة ناعمة مؤثّرة في النسيج الدبلوماسي. فالمهرجانات تروّج للبلد وتعطيه صورة مذهلة، إذْ تُظهر عمقه التاريخي ومكانة الفنّ في ذاكرته. وهذا الأمر، يراه الزائر لمهرجان كناوة الذين يقام سنوياً بمدينة الصويرة، بعدما أصبح هذا المهرجان يُمثّل أحد المواعيد الهامّة لفن كناوة في العالم. بهذا الحدث أصبح له دلالات دبلوماسية مؤثّرة أكثر من كونها مهرجاناً موسيقياً. فكلّ فنان موسيقي يعتبر سفيراً لبلده، فهو يُروّج لثقافته وذاكرته، كما يُبرز عبر فنّه ذاكرته الموسيقية وجذوره الإفريقية الضاربة في القدم. ففي كلّ سنة تصبح مدينة الصويرة مختبراً فنياً يحج إليه آلاف الناس من مختلف دول العالم، بما يجعل المدينة تعيش رفاهاً تجارياً لا مثيل له. وهذا في حدّ ذاته يُساهم في التنمية المحلية ويجعل الناس تستشعر قيمة الفنّ في حياتهم اليومية.