بالعودة إلى الريبرطوار الأدبي للكتاب صالح لبريني، نجد تجربته تتأرجح بين الكتابة الشعريّة والإقامة في تخوم النقد في آنٍ واحد. بحيث أنّ هذا التعدّد الذي يعيشه في ذاته يُتيح له إمكانات تخييلية قوية للحفر في ذاكرة الشعر المعاصر عبر قراءات شعرية ذات صلة بشعراء مغاربة وعرب، وأيضاً الحديث ومناقشة بعض القضايا والإشكالات التي ترتبط بالمعرفة الشعريّة. كلّ هذا في وقتٍ ينسحب فيه الشعراء ونقاد الشعر، صوب الرواية ومساربها اللامتناهية. ذلك إنّ الحظوة التي بات يعرفها جنس الرواية أصبحنا نعيش هذا النوع من الهجرة التي وإنْ كانت تبدو صحية بالنسبة للمنشغلين بالدرس الأدبي، فإنّها تبق غير مؤسّسة على رؤية معرفية واضحة المعالم والرؤى، بما يجعل الشاعر يُضيف بعضاً من ثقافته الشعريّة النوعية إلى جنس الرواية.
ينتمي صاحب كتاب « شعريّة المخالفة » إلى الوجوه الأدبية الجديدة التي تعمل وفق مقاربة شاملة على التعريف بالشعر المغربي حتّى يظلّ في حكم المتداول داخل الفضاء الثقافي المغربي. فكتاباته غزيرة من ناحية الكم لكنّها تظلّ أصيلة من ناحية النوع. وذلك بقُدرته على اختراق القصيدة وفك ميكانيزماته ومنطلقاتها المعرفية وتجلياتها الجمالية. وحرص لبريني على مدار سنوات أنْ يكون البحث الجامعي أفقاً للتفكير في الشعر، أيْ أنّ كتاباته لا تنطلق من استيهامات شخصية نجدها عند العديد من الشعراء، ولكنّها تتأسّس على معرفة خاصّة وسياحة طويلة في تاريخ القصيدة المغربية.